أولا: دلالة المطابقة: وهي دلالة اللفظ على ما عناه المتكلم ووضعه له، أو هي دلالة اللفظ على الحقيقة والمعنى المقصود، مثل: دلالة لفظ البيت على مجموع الجدران والسقف والأبواب والنوافذ، فهو يدل على جميع المعاني التي يشملها لفظ "البيت".
وفي باب الأسماء: يقال بأن الاسم يدل دلالة مطابقة على:
الذات: فهو علم على الذات التي تسمى به.
والصفة: فهو يحوي المعنى الذي اشتق منه.
فعلى سبيل المثال:
اسم الله "العزيز": يدل على ذات الله، عز وجل، وصفة "العزة"، كليهما، دلالة مطابقة.
يقول ابن تيمية رحمه الله: (والمعنى المدلول عليه باللفظ لابد أن يكون مطابقا للفظ، فتكون دلالة اللفظ عليه بالمطابقة ......... وليس دلالة المطابقة دلالة اللفظ على ما وضع له كما يظنه بعض الناس ....... بل يجب الفرق بين ما وضع له اللفظ وبين ما عناه المتكلم باللفظ وبين ما يحمل المستمع عليه اللفظ، فالمتكلم إذا استعمل اللفظ في معنى فذلك المعنى هو الذي عناه باللفظ، وسمي معنى لأنه عني به أي: قصد وأريد بذلك فهو مراد المتكلم ومقصوده بلفظه ....... وكل لفظ استعمل في معنى فدلالته عليه مطابقة لأن اللفظ طابق المعنى بأي لغة كان، سواء سمي ذلك حقيقة أو مجازا).
ودلالة المطابقة هي: الدلالة الأصلية في الألفاظ التي وضعت لمعانيها، وهي تكشف عن نية القائل بمجرد صدور اللفظ وموافقته، كقولهم: طابق النعل النعل إذا توافقا، والمراد من تطابق اللفظ والمعنى هو: عدم زيادة اللفظ عن المعنى أو قصوره عنه، فدلالة الاسم على الذات والصفة لا تزيد ولا تنقص عن الدلالة الكلية له، فأقصى ما يستفاد منه: دلالته على ذات مسماة به، ودلالته على الصفة التي اشتق منها إن لم يكن جامدا.
ثانيا: دلالة التضمن:
وهي دلالة اللفظ على بعض المعنى المقصود من قبل المتكلم أو هي: دلالة اللفظ الموضوعة من قبل المتكلم على جزء المعنى المقصود، أو هي: دلالة اللفظ الوضعية على جزء مسماه، كدلالة لفظ "الشجرة" على: الأوراق، فإن الشجرة تضمنت الأوراق وغيرها، فالذهن يتصور الأوراق وبقية الأجزاء مباشرة عند النطق بلفظ الشجرة، فيتصور بدلالة التضمن: فروعها وخشبها وثمارها وجميع ما حوت من أجزاء، فدلالتها على كل الأجزاء: دلالة مطابقة، ودلالتها على جزء أو أكثر: دلالة تضمن، فدلالة المطابقة تكافئ مجموع دلالات التضمن للفظ الواحد.
ومثاله في الأسماء والصفات:
دلالة اسم الله "العزيز" على: ذات الله، عز وجل، تضمنا، وعلى: صفة العزة تضمنا، وعلى كليهما: مطابقة.
ثالثا: دلالة اللزوم:
وهي دلالة اللفظ على معنى يخرج عن دلالة المطابقة والتضمن وهو لازم لوجوده لزوما عقليا يتصوره الذهن عند ذكر اللفظ، وسمي لازما لارتباطه بمدلول اللفظ وامتناع انفكاكه عنه، ومثاله:
دلالة الشيء على سبب وجوده، أو دلالة المسبب على سببه، كدلالة الحمل على الوطء إلا في خوارق استثنائية كخلق عيسى صلى الله عليه وسلم.
وأما دلالة الالتزام فهي عكس دلالة اللزوم فهي: دلالة السبب على المسبب، كما في قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ): فأطلق السبب: وهو الأكل، وأراد المسبب: وهو ما يصاحب ذلك من العوارض البشرية من: ثقل بدن وإخراج .............. إلخ، ليؤكد على بشرية المسيح صلى الله عليه وسلم.
ومن ثم فإن دلالة اللزوم مبنية على فهم العقل لترابط الأسباب بحيث ترتبط العلة بمعلولها، والنتيجة بسببها، فدلالة السقف على الأعمدة: دلالة لزوم، لأن العاقل يعلم أن السقف لا يوجد إلا بعد وجود الحائط أو الأعمدة، فالذهن لا يتصور السقف إلا مرفوعا على شيء، فلفظ السقف دلنا على الأعمدة باللزوم مع ملاحظة أن الأعمدة ليست مما دل عليه لفظ السقف بالمطابقة أو بالتضمن.
¥