للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الإفطار، ما يثلج صدره، ويطفئ ظمأه فصنع له (خشافاً) كهذا الذي نصنعه في رمضان من التمر والتين، إلاَّ أنَّ نبيذ (خشاف) أبي هريرة تخمَّر، فأمره رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بطرحه.

إنَّ مثل هذه الوقائع التي كانت تقع لأبي هريرة ولغيره، لا يمكن أنْ ينساها لأنها تمثل جزءًا من حياته، بل تمثِّل فترة بارزة من عمره، عاش فيها مع الرسول الكريم، ورأى بعينه، وسمع بأذنه، ووعى بقلبه. وقد شعر أبو هريرة بالسعادة تخالط نفسه، وبالإيمان يملأ قلبه لملازمته رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وكان كثيراً ما يشكر الله تعالى على هذه النعمة فيقول: «الحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَى أَبَا هُرَيْرَةَ للإِسْلام، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي عَلَّمَ أَبَا هُرَيْرَةَ الْقُرْآنَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي مَنَّ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ بمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم» (١). هنيئاً لك يا أبا هريرة بهذا كله وهنيئاً لجميع المسلمين به أيضاً، بل لتهنأ الإنسانية برسول الإنسانية العظيم، وبرسالته الخالدة التي أرادها الله رحمة للعالمين.

وكان أبو هريرة من أكثر الصحابة حرصاً على الحديث، روى الإمام أحمد بسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَأْخُذُ مِنِّي خَمْسَ خِصَالٍ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ، أَوْ يُعَلِّمُهُنَّ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ؟» قَالَ: قُلْتُ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: «فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّهُنَّ فِيهَا» ثُمَّ قَالَ: «اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ، وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ، وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا، وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا، وَلَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ» (٢).

وفي الحقيقة رأينا هذا الحديث ينطبق تماماً على أبي هريرة حينما عرضنا بعض أخبار التزامه للسُنَّة، والحرص عليها، وتأسِّيه دائماً بالرسول، والامتثال لأوامره، وطبعي أنْ يكون أبو هريرة أحد أعلام الصحابة


(١) " تاريخ ابن عساكر ": ص ٥١١، جـ ٤٧.
(٢) " مسند الإمام أحمد ": ص ٢٢٨، حديث ٨٠٨١، جـ ١٥، وروى نحوه الترمذي وابن ماجه من عدة طرق، والبيهقي، وانظر " الجامع الكبير ": ص ١٦، جـ ١.

<<  <   >  >>