للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نراه يروي في فضائل عَلِيٍّ ما لا يخفى، من هذا ما أخرجه الإمام مسلم في " صحيحه " بسنده عن أبي هريرة: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى يَدَيْهِ». قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: مَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلاَّ يَوْمَئِذٍ، قَالَ: فَتَسَاوَرْتُ لَهَا رَجَاءَ أَنْ أُدْعَى لَهَا. قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، وَقَالَ: «امْشِ، وَلاَ تَلْتَفِتْ، حَتَّى يَفْتَحَ اللهُ عَلَيْكَ». قَالَ: فَسَارَ عَلِيٌّ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ، فَصَرَخَ: يَا رَسُولَ اللهِ! عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ؟ قَالَ: «قَاتِلْهُمْ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ. فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ، فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ، وَأَمْوَالَهُمْ، إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللهِ» (٣).

إننا نرى المُنصفين من أهل العلم لم يتَّهِمُوا أبا هريرة - لروايته هذا الحديث - بالتشيُّع لعليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وبالعداء لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب، فأبو هريرة لا يتحزَّبُ لأحد ولا يمالئ أحداً، ولا يسير وراء هوى مُتَّبعٌ أو شهوة جامحة، إنما هو ذلك الصحابي العظيم الذي عرفنا استقامته وعدالته، وتقواه وورعه وأمانته.

وقد تصوَّر المؤلف جميع ما بين يدي أبي هريرة من نعمة وخير هي أفضال الأمويِّين عليه، وإكرام منهم له، لما بذله في سبيل تدعيم مُلْكِهِمْ!! ونسي أو تناسى أنَّ أبا هريرة كان يحب العمل إلى جانب حبه للعلم، ونسي ما كان له من أعطيات وتجارة، كما نسي أنه ولي البحرين الخليفة عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وَبَيَّنَ له مورد ماله الذي جاء به، بل رأى أنَّ جميع ما بين يديه من منح بني أميَّة له، فهم الذين كَسَوْهُ الخزَّ، وألبسوه الكتان، وبنوا له في العقيق قصراً، وهو الذين زوَّجُوهُ بُسرةَ بنت غزوان، أخت الأمير عُتبة بن غزوان، ويستشهد لذلك بما رواه مضارب بن حزن


(١) فتساورت لها: معناه تطاولت لها، أي حرصت عليها، أي أظهرت وجهي وتصدَّيتُ لذلك ليتذكَّرني. انظر " صحيح مسلم "، ص ١٨٧٢، هامش ١، جـ ٤.
(٢) " صحيح مسلم ": ص ١٨٧١، حديث ٣٣، جـ ٤.

<<  <   >  >>