للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في فضائلهم، ... وتارة يُلَفِّقُ أحاديث في فضائل الخليفتين، نزولاً على رغائب معاوية وفئته الباغية، إذ كانت لهم مقاصد سياسية ضد الوَصِيِّ وآل النبي ... وحسبُك حديثه في تأمير أبي بكر على الحج سَنَة براءة - وهي سَنَةُ تسع للهجرة - وحديثه في أنَّ عمر كان مُحْدِثاً تكلِّمه الملائكة (١).

وقد اقتضت سياسة الأمويِّين في نكاية الهاشميِّين تثبيت هذين الحديثين وإذاعتهما بكل ما لمعاوية وأعوانه .. من وسيلة أو حيلة .. حتى أخرجتهما الصحاح .. وتارة يقتضب أحاديث ضد أمير المؤمنين جرياً على مقتضى تلك السياسة كقوله: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَمْ تُحْبَسِ الشَّمْسُ أَوْ تَرد إِلاَّ لِيُوشَعَ بْنِ نُونٍ لَيَالِيَ سَارَ إِلَى بَيْتِ الْمُقَدّس .. » [صفحة: ٣٦ - ٣٧].

لقد سيطر على المؤلف هواهُ، حتى أصبح لا يرى في أبي هريرة إلاَّ الكذوب الوضَّاع، فتنكب سبيل الحق، وقذف الصحابة بالكذب، وتجاهل ما أجمع عليه المؤرِّخُون الثقات، واعتمد على روايات الضعفاء، فكان كلام الطبرسي عنده كالتنزيل الحكيم، وضرب بصحاح الكتب عرض الحائط، فيحاول طمس الحق، وتحريف الصواب، وإنني قبل أنْ أجيب عن زعمه أنَّ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عزل أبا بكر عن ولاية الحج أتساءل كيف حبست الشمس أو ردت لأمير المؤمنين عليٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -؟ وهل أمسكت الشمس عن الغروب ليتمكَّن - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - من أداء صلاة العصر في وقتها؟ إنَّ هذه معجزات لا تكون في كل وقت، ولا يمن الله بها إلاَّ على رسله!! ثم لِمَ تُرد الشمس له أو تمسك، ويمكنه أنْ يقضي الصلاة!! والصحاح لم تذكر شيئاً عن هذا الخبر، فأترك المؤلف أنْ يُبَيِّنَ لنا كيف حبست الشمس ومتى كان ذلك علناً نفيد منه؟ لقد ادَّعَى هذا قبله ابن المطهر الحلي، ورد عليه ابن تيمية ردًّا قوياً، وبَيَّنَ كذب هذا الادِّعاء (٢).


(١) يشير إلى حديث أبي هريرة عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي أَحَدٌ، فَإِنَّهُ عُمَرُ». " فتح الباري ": ٨/ ٤٩. مُحْدَثٌ بفتح الدال: أي مُلْهَمٌ وصادق الظن، يجري الصواب على لسانه، والتاريخ يشهد لعمر بهذا في أمور مشهورة.
(٢) " المنتقى من منهاج الاعتدال ": ص ٥٢٤ وما بعدها.

<<  <   >  >>