للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المناقشة بينهما، لما عرف من أدب ابن عباس ووقار عمر؛ ورجوعه إلى الحق.

ثانياً - إنَّ علائم الوضع ظاهرة على هذا الخبر، ذلك أنَّ عليًّا - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لم تقم له بعد جماعة وأصحاب، حتى يقول أمير المؤمنين عمر لابن عباس: «مَا أَرَىَ صَاحِبَكَ إِلاَّ مَظْلُوماً» ولِمَ كان مظلوماً؟ وما هي المناسبة التي تدعو أمير المؤمنين لأنْ يتعطَّف ابن عباس ويسرِّي عنه باعترافه بظلامة أبي الحسن؟.

ثم هل يتصوَّر من عمر أنْ يعرف ظلامة الإنسان ولا يردها؟ وكيف يكون هذا ولا يَرُدُّ ظلامة صاحبه عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -؟.

ولو سلَّمنا بوقوع هذه المحاورة، فمن هؤلاء الذين ظلموه؟ ومن يعني في قوله: «مَا أَظُنُّهُمْ مَنَعَهُمْ عَنْهُ إِلاَّ أَنَّهُمْ اسْتُصْغْرُوهُ؟».

ثم إنَّ من الذين منعوا عنه الخلافة، ومن الذي استصغره، وهل كان صغيراً حقاً؟؟ لم يمنع أحد الخلافة عنه أيام بيعة الصِدِّيقِ، بل أجمع الناس على خلافة أبي بكر، ولم يُبْدِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أَيَّ استياء منها وسرعان ما أعلن بيعته؛ ولا يمكن أنْ يقصد عمر بقوله هذا أحقية عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بالخلافة من الصِدِّيقِ، والتاريخ دليل على ما ذهب إليه جمهور المسلمين. ثم إنَّ عَلِيًّا نفسه لم يكن صغيراً آنذاك، وكما وافق على خلافة أبي بكر وافق على خلافة عمر وأعلن بيعته، والإمام عَلِيٌّ نفسه يشهد للعُمَرَيْنِ بمكانتهما فيدحض كل افتراءٍ وكذبٍ، وينقض ما ورد في هذا الخبر. ويأبى اللهُ إلاَّ أنْ يظهر الحق على لسان ابن عباس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -: وُضِعَ عُمَر عَلَى سَرِيره، فَتَكَنَّفَهُ النَّاس، يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ وَأَنَا فِيهِمْ، فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي، فَإِذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ، وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ إِنِّي كُنْتُ كَثِيرًا أَسْمَعُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ

<<  <   >  >>