للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ» (١). فرضي الله عن الصحابة جميعاً وأرضاهم، فقد كانوا خير قُدوة للناس في حياتهم وإخوتهم، ولكن أهل الأهواء أَبَوْا إلاَّ أنْ بيعدوا الشقَّة بينهم، ويصطنعوا الخلافات، ويستغلُّوا بعض الحوادث، يدفعهم إلى ذلك الضغائن والحقد الذي في نفوسهم ضد الإسلام والمسلمين، كل ذلك لتفريق الكلمة وتحقيق مآربهم وإشباع ميولهم.


(١) " فتح الباري ": ٨/ ٤٧. والأخبار التي تعارض ما رواه مؤلف كتاب " أبو هريرة " وتثبت حب عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - للخلفاء الثلاثة، وعدم إنكاره لخلافتهم أو اعتبار نفسه خصماً لهم يريد رد ظلامته، أقول إنَّ هذه الأخبار كثيرة جداً منها: ما ذكره السيوطي قال: أخرج ابن عساكر عن الحسن قال: لما قدم علي البصرة قام إليه ابن الكواء، وقيس بن عباد، فقالا له: ألا تخبرنا عن مسيرك هذا الذي سرت فيه، تتولى على الأمَّة تضرب بعضهم ببعض؟ أعهد من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليك؟ فَحَدِّثْنَا فأنت الموثوق المأمون على ما سمعت، فقال: أمَّا أنْ يكون عندي عهد من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في ذلك فلا، والله لئن كنت أول من صَدَّقَ به، فلا أكون أول من كذب عليه، ولو كان عندي من النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عهد في ذلك ما تركت أخا بني تيم بن مرة وعمر بن الخطاب يقومان على منبره، ولقاتلتهما بيدي، ولو لم أجد إلاَّ بُرْدِي هذا، ولكن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لم يقتل قتلاً، ولم يمت فجأة، مكث في مرضه أيامًا وليالي، يأتيه المؤذن فيؤذنه بالصلاة، فيأمر أبا بكر فيصلِّي بالناس وهو يرى مكاني، ولقد أرادت امرأة من نسائه أنْ تصرفه عن أبي بكر، فأبى وغضب، وقال: " أنتن صواحب يوسف، مُرُوا أبا بكر يصلي بالناس "، فلما قبض الله نبيَّه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نظرنا في أمورنا، فاخترنا لدنيانا من رضيه نبي الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لديننا. وكانت الصلاة أصل الإسلام، وهي أمير الدين، وقوام الدين، فبايعنا أبا بكر، وكان لذلك أهلاً، ولم يختلف عليه منا اثنان ... فلما قبض تولاها عمر، فأخذها بِسُنَّةِ صاحبه، وما يعرف من أمره، فبايعنا عمر، ولم يختلف عليه منا اثنان
... فلما قبض تذكرت في نفسي قرابتي وسابقتي وسالفتي وفضلي، وأنا أظن ألاَّ يعدل بي، ولكن خشى ألاَّ يعمل الخليفة بعده ذنبًا إلاَّ لحقه في قبره، فأخرج منها نفسه وولده، ولو كانت مُحاباة منه لآثر بها ولده، فبرئ منها إلى رهط من قريش ستة أنا أحدهم، فلما اجتمع الرهط ظننت ألاَّ يعدلوا بي، فأخذ عبد الرحمن بن عوف مواثيقنا على أنْ نسمع ونطيع لمن وَلاَّهُ الله أمرنا، ثم أخذ بيد عثمان بن عفان، وضرب بيده على يده، فنظرتُ في أمري، فإذا طاعتي قد سبقت بَيْعَتِي، وإذا ميثاقي أخذ لغيري، فبايعنا عثمان، فأديت له حقه، وعرفت له طاعته، وغزوت معه في جيوشه، وكنت آخذ إذا أعطاني وأغزو إذا أغزاني، وأضرب بين يديه الحدود بسوطي. فلما أصيب نظرت في أمري، فإذا الخليفتان اللذان أخذاها بعهد رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إليهما بالصلاة قد مضيا، وهذا الذي أخذ له الميثاق قد أصيب، فبايعني أهل الحرمين، وأهل هذين المِصْرَيْنِ، فوثب فيها من ليس مثلي، ولا قرابته كقرابتي، ولا علمه كعلمي، ولا سابقته كسابقتي، وكنت أحق بها منه». اهـ.
انظر " تاريخ الخلفاء القائمين بأمر الأُمَّة " للسيوطي: ص ١١٩.

<<  <   >  >>