للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد رُوِيَ عنها أنها مشت في خف واحد وقالت: «لأُخُشَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ» (١) فعائشة لم تُكَذِّبْ أبا هريرة، وإنْ صحَّ عنها ما روي من مخالفته فهو مجرد رأي، والرأي لا يعارض السُنن، ثم إنَّ أبا هريرة لم يتفرَّدْ بالحديث.

ومن هذا ما رواه ابن شهاب أنَّ عُروة بن الزبير حدَّثه أنَّ عائشة قالت: «أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو هُرَيْرَةَ؟ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي، يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يُسْمِعُنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ (٢) فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ» (٣) كأنها تنتقد أبا هريرة في سرعة إلقائه وعدم تَرَيُّثِهِ.

إنَّ إنكار عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا - على أبي هريرة لم يكن مُوَجَّهاً إلى ما يُحَدِّثُ به، إنما أنكرت عليه أنْ يسرد حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. ويظهر هذا فيما رُوِيَ عنها: إِنَّمَا «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا، لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ» (٤).

ولو أنكرت عائشة عليه غير سرده للحديث لقالت وبيَّنَتْ، وهي الجريئة الصريحة، فأبو هريرة لم يَكْذِبْ على رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ولم يخطئ أثناء تحديثه حتى تُكَذِّبَهُ عائشة، فكل ما كان منه أنه كان يسرد الحديث ويكثر منه في مجلسه، فأي شيء يضير أبا هريرة إذا كان مُتَيَقِّظاَ متنبِّهاً عارفاً لما يروي؟!.

قال أبو حاتم بن حبان: «قَوْلُ عَائِشَةَ: " لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ " أَرَادَتْ بِهِ سَرْدَ


(١) أَخُشَنَّ من خَشَشْتُ فلاناً: شنأته ولمته في خفاء.
(٢) معنى أسبح: أي أصلِّي النافلة، وهي السُبحة، قيل المراد هنا صلاة الضُحى. انظر " فتح الباري ":ص ٣٩٠، جـ ٧.
(٣) " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص ١٣٥ وأخرجه مسلم في «باب ما يستحبُّ للمرء من ترك سرد الأحاديث»: ص ١٩٤٠ حديث ٢٤٩٣، جـ ٤. و " فتح الباري ": ص ٣٩٠، جـ ٧.
(٤) " فتح الباري ": ص ٣٨٩، جـ ٧.

<<  <   >  >>