للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الْحَدِيثِ لاَ الحَدِيثَ نَفْسَهُ» (١). قال ابن حجر: واعتذر «عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَنَّهُ كَانَ وَاسِعَ الرِّوَايَةِ كَثِيرَ الْمَحْفُوظِ فَكَانَ لَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمَهَلِ عِنْدَ إِرَادَةِ التَّحْدِيثِ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْبُلَغَاءِ أُرِيدُ أَنْ أَقْتَصِرَ فَتَتَزَاحَمُ الْقَوَافِي عَلَى فِيَّ» (٢).

ومن العجيب أنَّ بعض الكُتَّابِ الذين ناصبوا أبا هريرة العداء، يستشهدون ببعض الأخبار الضعيفة أو الثابتة التي تدل على خلاف بين أبي هريرة والصحابة، ولا يتعرَّضون للروايات التي تُبَيِّنُ صدقه وأمانته وثناء الصحابة عليه، فهم دائماً ينظرون إليه من جانب واحد ويتناسون الجانب الآخر الذي يُبَيِّنُ علمه ومنزلته بين أصحابه. وجميع ما استشكله هؤلاء قد أجيب عنه إجابة علمية مقنعة، ولولا ضيق المقام، لذكرت جميع ما دار بين عائشة وأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، فحديث «إِنَّمَا الطِّيَرَةُ فِي الْمَرْأَةِ» حَلَّلَهُ وأجاب عنه الزركشي وبَيَّنَ الأحاديث المروية في ذلك وبَيَّنَ أنَّ أبا هريرة لم ينفرد به، بل ذكر أيضاً ما يعارضه وبَيَّنَ أنه لا مأخذ على أبي هريرة (٣) كما بَيَّنَ قول أبي هريرة «مَنْ غَسَّلَ مَيِّتًا اغْتَسَلَ وَمَنْ حَمَلَهُ تَوَضَّأَ» (٤).

ولا بد لي من أنْ أُنْهِي هذه الفقرة عن موقف عائشة من أبي هريرة بمناقشة صاحب كتاب " أضواء على السُنَّة " فيما قاله، قال: «ولما قالت له (لأبي هريرة) عائشة: إنك لتُحَدِّثُ حديثاً ما سمعته من النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أجابها بجواب لا أدب فيه، ولا وقار: إذ قال لها - كما رواه ابن سعد والبخاري وابن كثير وغيرهم: شغلك عنه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - المرآة والمكحلة! وفي رواية - ما كانت تشغلني


(١) " صحيح ابن حبان ": ص ٢٦١، جـ ١، وإلى هذا ذهب ابن كثير، انظر " البداية والنهاية ": ص ١٠٧، جـ ٧.
(٢) " فتح الباري ": ص ٣٩٠، جـ ٧.
(٣) انظر " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص ١٢٥ - ١٢٩.
(٤) انظر " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص ١٢٥ - ١٢٦.

<<  <   >  >>