للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تصوم؟ قال: أصوم من أول الشهر ثلاثاً (١)، كما كان يصوم الاثنين والخميس (٢).

وكان أحياناً يصوم مع بعض أصحابه، ويجلسون في المسجد، يقولون: نطهر صيامنا (٣).

قال أبو رافع: صَلَّيْتُ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، صَلاةَ الْعَتَمَةِ - أَوْ قَالَ: صَلاةَ الْعِشَاءِ - فَقَرَأَ: {إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ} (٤)، فَسَجَدَ فِيهَا، فَقُلْتُ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ!؟ فقال: سَجَدْتُ فِيهَا خَلْفَ أَبِي الْقَاسِمِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلا أَزَالُ أَسْجُدُهَا حَتَّى أَلْقَاهُ (٥). وواضح أنَّ السجود المقصود هو سجود التلاوة في الآية الكريمة {وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ} (٦).

وكان يحب التطهر ويخشى الوقوع في المعصية،حتى أنه خشي على نفسه - وهو شاب في أول عهده بالرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنْ يقع بالزنا، فقال: يا رسول الله ... إِنِّي رَجُلٌ شَابٌّ، قَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِيَ الْعَنَتَ، وَلاَ أَجِدُ طَوْلاً أَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ، أَفَأَخْتَصِي؟ فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى قَالَ ثَلاَثًا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ، جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا أَنْتَ لاَقٍ، فَاخْتَصِ عَلَى ذَلِكَ، أَوْ دَعْ» (٧)

أي كتب عليك ما أنت عليه، فاستسلم لذلك، أو لا تستسلم له، وليس هذا من باب التخيير بل من باب الردع، ليحمل أبا هريرة على الصبر، وعلى حفظ نفسه، ومهما يكن هذا الخبر، فإنه يدل على ورع أبي هريرة وتقواه، وحرصه على التزام طاعة الله ورسوله، وخشيته من الزلل في المعاصي فتقدم مضحياً بشهوته وبنفسه ليرضى عنه الله ورسوله، ولما عرف من رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حكم ما سأله، امتثل لأمره، والتزم الصبر والعبادة.


(١ و ٢) " سير أعلام النبلاء ": ص ٤٣٨، جـ ٢.
(٣) " البداية والنهاية ": ص ١١٢، جـ ٨.
(٤) [الانشقاق: ١].
(٥) " مسند الإمام أحمد ": ص ١٢٢. حديث ٧١٤٠، جـ ١٢ بإسناد صحيح.
(٦) [الانشقاق: ٢١].

<<  <   >  >>