[جزئية رائعة في رسالة ابن تيمية رحمه الله إلى سرجوان ملك قبرص]
ـ[الحافظة]ــــــــ[22 - Jan-2009, مساء 02:16]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أنقل لكم من مجموع الفتاوى لإبن تيمية رحمه الله الجزء الرابع عشر رسالته إلى سرجوان ملك قبرص وإنها رسالة جامعة وقيمة جدااا حوت من الفوائد الكثيرة .. ولكني لن أسرد الرسالة كاملة وإنما اقتطعت منها جزئية أعجبتني كثيراااا وهي الجزئية التي تخص أسرى المسلمين ..
يقول رحمه الله:
فيأيها الملك كيف تستحل سفك الدماء وسبي الحريم، وأخذ الأموال بغير حجة من الله ورسوله؟
ثم أما يعلم الملك: أن بديارنا من النصارى أهل الذمة والأمان ما لا يحصى عددهم إلا الله، ومعاملتنا فيهم معروفة، فكيف يعاملون أسرى المسلمين بهذه المعاملات التي لا يرضى بها ذو مروءة ولا ذو دين.
لست أقول عن الملك وأهل بيته ولا اخوته، فإن أبا العباس: شاكرا للملك ولأهل بيته كثيرا، معترف بما فعلوه معه من الخير، وإنما أقول عن عموم الرعية. أليس الأسرى في رعية الملك. أليست عهود المسيح وسائر الأنبياء توصي بالبر والإحسان.
فأين ذلك؟
ثم إن كثيرا منهم إنما أخذوا غدرا، والغدر حرام في جميع الملل والشرائع والسياسات. فكيف تستحلون أن تستولوا على من أخذ غدرا؟ أفتؤمنون مع هذا أن يقابلكم المسلمون ببعض هذا؟ وتكونون مغدورين؛ والله ناصرهم ومعينهم، لاسيما في هذه الأوقات، والأمة قد امتدت للجهاد، واستعدت للجلاد ورغب الصالحون وأولياء الرحمن في طاعته، وقد تولى الثغور الساحلية أمراء ذوو بأس شديد، وقد ظهر بعض أثرهم، وهم في ازدياد.
ثم عند المسلمون من الرجال الفداوية، الذين يغتالون الملوك في فرشها، وعلى أفراشها: من قد بلغ الملك خبرهم قديما وحديثا، وفيهم الصالحون، الذين لا يرد الله دعواتهم، ولا يخيب طلباتهم، الذين يغضب الرب لغضبهم، ويرضى لرضاهم.
وهؤلاء التتار مع كثرتهم وانتسابهم إلى المسلمين: لما غضب المسلمون عليهم، أحاط بهم البلاء ما يعظم عن الوصف، فكيف يحسن أيها الملك بقوم يجاورون المسلمون من أكثر الجهات أن يعاملوهم هذه المعاملة، التي لا يرضاها عاقل ولا مسلم ولا معاهد.
هذا، وأنت تعلم أن المسلمين لا ذنب لهم أصلا؛ بل هم المحمودون على ما فعلوه. فإن الذي أطبقت العقلاء على الإقرار بفضله، هو دينهم حتى الفلاسفة أجمعوا على أنه لم يطرق العالم دين أفضل من هذا الدين. فقد قامت البراهين على وجوب متابعته.
ثم هذه البلاد مازالت بأيديهم: الساحل، بل وقبرص أيضا؛ ما أخذت منهم إلا من أقل من ثلاثمائة سنة، وقد وعدهم النبي أنهم لا يزالون ظاهرين إلى يوم القيامة؛ فما يؤمن الملك أن هؤلاء الأسرى المظلومين ببلدته ينتقم لهم رب العباد والبلاد، كما ينتقم لغيرهم. وما يؤمنه أن تأخذ المسلمين حمية إسلامهم فينالوا فيها ما نالوا من غيرها، ونحن إذا رأينا من الملك وأصحابه ما يصلح عاملناهم بالحسنى وإلا فمن بغي عليه لينصرنه الله.
وأنت تعلم أن ذلك من أيسر الأمور على المسلمين، أنا ما غرضي الساعة إلا مخاطبتكم بالتي هي أحسن، والمعاونة على النظر في العالم واتباع الحق وفعل ما يجب. فإن كان عند الملك من يثق بعقله ودينه فليبحث معه عن أصول العلم وحقائق الأديان، ولا يرضى أن يكون من هؤلاء النصارى المقلدين الذين لا يسمعون ولا يعقلون؛ إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا.
وأصل ذلك أن تستعين بالله وتسأله الهداية، وتقول: اللهم أرني الحق حقا، وأعني على اتباعه، وأرني الباطل باطلا وأعني على اجتنابه، ولا تجعله مشتبها علي فأتبع الهوى. وقل: اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلقون، اهدني لما اختلفوا فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
والكتاب لا يحتمل البسط أكثر من هذا، لكن أنا ما أريد للملك إلا ما ينفعه في الدنيا والآخرة، وهما شيآن: أحدهما له خاصة، وهو معرفته بالعلم والدين، وانكشاف الحق وزوال الشبهة، وعبادة الله كما أمر؛ فهذا خير له من ملك الدنيا بحذافرها، وهو الذي بعث به المسيح وعلمه الحواريين.
¥