تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تجديد علم الأصول عند الشوكاني رحمه الله تعالى]

ـ[السيل الجرار]ــــــــ[09 - Apr-2009, صباحاً 02:05]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

لقد كان الأساس الثاني الذي أقام عليه الشوكاني تجديد المنهج الفقهي هو تجديد علم أصول الفقه بتحقيق الحق منه. وتمثلت مبررات هذا العمل المنهجي في أمرين:

الأول: أن أصول الفقه هو منهج استنباط الأحكام الفقهية، وأي تجديد في الفقه يقتضي تجديداً في أصوله.

الثاني: أن التراث الأصولي صار يؤخذ مسلمات لا مجال لنقاشها، وبالتحقيق والتمحيص يتبيّن أن منه ما لا مستند له من الشرع، وقد عبّر عن ذلك بقوله: «علم أصول الفقه لما كان هو العلم الذي يأوي إليه الأعلام، والملجأ الذي يلجأ إليه عند تحرير المسائل وتقرير الدلائل في غالب الأحكام، وكانت مسائله المقررة وقواعده المحررة تؤخذ مسلمة عند كثير من الناظرين، كما تراه في مباحث الباحثين وتصانيف المصنفين، فإن أحدهم إذا استشهد لما قاله بكلمة من كلام أهل الأصول، أذعن له المنازعون وإن كانوا من الفحول، لاعتقادهم أن مسائل هذا الفن قواعد مؤسسة على الحق الحقيق بالقبول، مربوطة بأدلة علمية من المعقول والمنقول، تقصر عن القدح في شيء منه أيدي الفحول وإن تبالغت في الطول»

وقد نتج عن هذا التصور الذي استقر في العقل الفقهي والأصولي عن علم أصول الفقه تكريس التقليد، وهو ما جعل الرأي البحت في نظر الشوكاني يحل محل الدليل في التفكير الأصولي والفقهي حيث قال: « .... هذا الفن الذي رجع كثير من المجتهدين بالرجوع إليه إلى التقليد من حيث لا يشعرون، ووقع غالب المتمسكين بالأدلة بسببه في الرأي البحت وهم لا يعلمون.

فهذه المبررات حملت الشوكاني على تصنيف كتابه "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول "، والذي التزم فيه منهجاً خاصاً قوامه عدم ذكر «المبادئ التي يذكرها المصنفون في هذا الفن، إلا ما كان لذكره مزيد فائدة يتعلق بها تعلقاً تاماً وينتفع بها فيه انتفاعاً زائداً "

مجالات تجديد علم الأصول عند الشوكاني.

لقد أفصح الإمام الشوكاني في مقدمة كتابه إرشاد الفحول عن المقصد الذي توخاه من تحقيق علم أصول الفقه، وعن مجالات هذا التحقيق فقال: «حملني ذلك بعد سؤال جماعة لي من أهل العلم على هذا التصنيف في هذا العلم الشريف قاصداً به إيضاح راجحه من مرجوحه، وبيان سقيمه من صحيحه، موضحاً لما يصلح منه للرد إليه وما لا يصلح للتعويل عليه، ليكون العالم على بصيرة في علمه، يتضح له بها الصواب، ولا يبقى بينه وبين درك الحق الحقيق بالقبول حجاب»

وهذه المقالة تبين أن تجديد علم أصول الفقه عنده هو تحقيقه وتمحيصه، وأنه يكون من خلال مجالين اثنين:

المجال الأول: بيان الراجح من المرجوح والسقيم من الصحيح.

والمجال الثاني: بيان ما يصلح للرد إلى علم أصول الفقه وما لا يصلح.

وفي الآتي تفصيل المجالين:

المجال الأول: بيان الراجح من المرجوح والسقيم من الصحيح:

وأهم ما قام به الشوكاني في هذا المجال تحقيق بعض المفردات الأصولية نظراً لأهميتها، ويمكن الاكتفاء في هذا المقام بالتمثيل لأهم المفردات التي تساعد على تصور فكره الأصولي.

المفردة الأولى: نظرية الاجتهاد:

وتناولها من زوايا متعددة أهمها:

أولاً: ضبط مفهوم الاجتهاد والمجتهد:

لقد أورد الشوكاني في تحديده لمفهوم الاجتهاد تعريفات عديدة، منها تعريف ابن الحاجب: استفراغ الفقيه الوسع لتحصيل ظن بحكم شرعي»، وتعريف الآمدي: «استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس العجز عن المزيد عليه»

وغيرها من التعريفات التي اشتملت على قيود مانعة من دخول أفراد غير المعرّف فيها.

لكن التعريف الذي ارتضاه الإمام الشوكاني وتولى شرح قيوده قيداً قيداً هو: «بذل الوسع في سبيل حكم شرعي عملي بطريق الاستنباط " والفارق بين التعريفات التي ساقها وبين هذا التعريف الذي تبناه أن الأولى ليست شاملة لجميع أفراد المعرّف، إذ أنها ركزت على عنصرين: المستثمر للحكم، أي المجتهد، وثمرة الاجتهاد، ولم تتضمن طرق استثمار الأحكام أي الاستنباط، وهو ما اشتمل عليه التعريف الذي تبناه. وقد استثمر الشوكاني هذا القيد في ضبط مفهوم المجتهد حيث قال: «ويخرج بطريق الاستنباط نيل الأحكام من النصوص ظاهراً، أو حفظ المسائل، أو استعلامها من المفتي، أو

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير