تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[فتوى في التحذير من الغلو في التكفير للشيخ الفاضل أبي الحسن السليماني حفظه الله]

ـ[مأرب]ــــــــ[09 - Apr-2009, مساء 01:27]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

فتوى في التحذير من الغلو في التكفير

سؤال نقدمه لوالدنا الشيخ الفاضل أبي الحسن مصطفى بن إسماعيل السليماني حفظه الله تعالى ورعاه وسدد على طريق الخير خطانا وخطاه:

فضيلة الشيخ ظهر في هذه الأيام لاسيما مع وجود الفوضى في بعض الأماكن من بعض الشباب الذين قد درسوا في بعض مراكز السنة قبل عدّة سنوات بعض الأقوال بتكفير الحاكم والحكومة، ويرون أن المجتمع كافر، وأن من خرج على الحكومة وحاربها فهو مجاهد في سبيل الله، ولا يجوز التحذير منه، بل تجب مناصرته، وأن من حذَّر من هذا الفكر فيكون مواليًا للدولة وحكمه حُكْمُها، وقد سمعنا أنك ناصحت بعض هؤلاء الشباب منذ عدّة أشهر، لكنهم لم ينتفعوا بالنصيحة، فما هو الموقف الصحيح الذي يجب علينا تجاه هؤلاء الشباب؟

سائلين المولى عز وجل أن يبارك فيكم، وأن ينصر بكم الحق.

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:

فلا شك أن طريق الدعوة إلى الله تعالى طريق طويل وشاق، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: [إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا] {المزمل:5} ولا يثبت على الحق في هذا الطريق إلا من ثبّته الله تعالى، ورزقه البصيرة والحكمة والفهم الصحيح، وعافاه من الشبهات وأهلها.

ومنذ سلكنا طريق الدعوة إلى الله ونحن نرى أناسًا تتخطفهم الأفكار المنحرفة بين حين وآخر هنا وهناك، والسبب في هذا سوء الفهم، والإعجاب بالرأي، واتهام كبار أهل العلم، وأخْذ نُتف من العلم من هنا وهناك دون دراسة تأصيلية للمسألة قائمة على الاستقراء والتجرد، فيقرأ أحدهم آية أو حديثًا ثم يفهم منهما فهمًا معينًا، ثم يترك دعوته وطريقته التي كان عليها منذ سنوات لشبهة عرضت له، أو أشكال فهمها عليه، ويميل هنا وهناك، ثم يظن أنه قد هُدي إلى صراط مستقيم، والواقع أنه قد انحرف عن سواء السبيل في هذا الباب الخطير، وجَلَب على نفسه ودعوته شرًّا، وصَدَّ من اغْترَّ به عن سواء الصراط، وأدخلهم في نفق مظلم موحش، ويكفيه شؤمًا أنه يحوم أو قد تورّط في أمر التكفير الذي حذّر منه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أيما تحذير، إذا صدر في حق مسلم بعينه دون مراعاة الضوابط الشرعية لذلك، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أيما امرئ قال لأخيه: يا كافر؛ فقد باء بها أحدهما، إن كان كما قال؛ وإلا رجعت عليه" رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وبعض الناس يكون مفتاح خير على بلده، ثم يُحْرم ذلك فيندفع في طريق التكفير بالجملة والأعيان، وقد حذَّر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم من هذا الصنف، فعن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "إن مما أتخوَّف عليكم: رجل قرأ القرآن، حتى إذا رُؤيتْ بَهْجَتُه عليه، وكان رِدْءَ الإسلام؛ اعتراه إلى ما شاء الله، فانسلخ منه، ونبذه وراء ظهره، وسعى على جاره بالسيف، ورماه بالشرك" قال حذيفة: قلت: يا رسول الله، أيهما أوْلى بالشرك: المرْمي أم الرامي؟ قال: "بل الرامي" حديث حسن بمجموع طرقه، أخرجه الطحاوي والطبراني.

ويقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إياكم والغلو في الدين" أخرجه النسائي بسند صحيح، ويقول: "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون" أخرجه مسلم.

ولا زال علماؤنا السابقون واللاحقون يحذّرون من التهوّر والتشنّج والاندفاع والهرولة في باب تكفير من ينتمي إلى دين الإسلام إلا بأمر لنا فيه من عند الله برهان، مع التفرقة بين الحكم العام وتنزيله على المعين، لأن هذا الحكم العظيم سبب في قطْع أوصال المجتمع، وتفككه وتنازعه، ويؤول إلى أن كل طائفة تُكفّر الأخرى، مرة بلازم قولهم، ومرة بهوى وحمية جاهلية، والله عز وجل يقول: [وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ] {الأنفال:46}، وإذا كان لعْن المؤمن كقتله، فكيف بتكفيره وإخراجه بعينه من ملّة الإسلام، وطرده من دائرة المسلمين، وإلحاقه بدوائر الشرك دون الأخذ بقيود هذا الحكم في تنزيله على آحاد الناس؟

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير