تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

دخول الجنّة أمرٌ اختياريّ

ـ[أقدار]ــــــــ[11 - Apr-2009, صباحاً 07:18]ـ

بقلم: الشيخ الجليل المربي الكبير العلامة أشرف علي التهانوي، المعروف بـ "حكيم الأمة" المتوفى 1362هـ / 1943م

دخولُ الجنّة أمر اختياريّ بمعنى أن أسبابه بمستطاع العبد. إذا درستَ الكتابَ والسنَّةَ علمتَ أن الله دلَّنا على أسباب وتدابير تُجَنِّبنا النارَ وتُدْخِلنا الجنَّةَ، إذا اخترناها جَنَّبَنَا اللهُ النارَ وأَدْخَلَنا الجنَّةَ؛ فقال:

"وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ" (آل عمران/131).

فدّلَّنَا على أن الكفر مُؤَدٍّ إلى النّار.

وقال:

"سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمـ?ـواتُ وَالأَرْضُ" (آل عمران/ 133) وأعقبها بقوله: "أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ" (آل عمران/131).

فعُلِمَ أنّ التقوى مُؤَدِّيةٌ إلى الجنَّة. ثم إن القرآنَ ذكر تفاصيلَ التقوى في مواضع كثيرة؛ ففي الآية المذكورة نفسها:

"الَّذِيْنَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ" (آل عمران/134).

وفي موضع آخر:

"لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتـ?ـبِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلو?ةَ وَآتَى الزَّكَو?ةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصّـ?ـبِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولـ?ـئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولـ?ـئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ" (البقرة/177).

هذه الآية الكريمةُ تتضمّن بيانَ جميع أبواب التقوى مجملاً، وبدأت بالمنع عن الاكتفاء بالصورة الفارغة من المعنى؛ حيث قالت: "ليس البِرُّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُم الخ" كما أن المنافقين واليهود كانوا قد اتخذوا الحديثَ عن تحويل القبلة شغلَهم الشاغلَ. ثم ذكرتِ الأمرَ بالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتب السماويَّة والأنبياء. وهذه الأمورُ كلُّها تتعلق بالمعتقدات. ثم ذكرت الأمرَ بإزالة حبّ المال عن طريق إنفاقه. وهذا الأمرُ يتعلق بإصلاح القلب، وأعقبته بذكر الأمر بإقامة الصلاة. وذلك طاعة بدنيَّة. وتلتْه بذكر الأمر بإيتاء الزكاة. وذلك طاعة ماليَّة. أما الأمرُ بإنفاق المال الذي جاء ذكره فيما أعلاه، فذلك إنفاقٌ تطوُّعًا، نصّ عليه الحديث الذي رواه الترمذيّ: إنَّ في المال لحقًّا سوى الزكاة. ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم الآية المذكورة "الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاء والضَرَّاءِ الخ" (1) و "عَلَى حُبِّه" قرينة لكونه إنفاقَ التطوّع؛ لأن الضمير إن كان راجعًا إلى المال، فإنّ إزالة حبّ المال لاتتحقق بإيتاء الزكاة فقط، وإنما تتحقق إلى جانب ذلك بالإنفاق الزائد. وإن كان الضمير راجعًا إلى الله تعالى، فإنّ حبَّه تعالى أيضًا يقتضي أن يُنْفَق المال فوق القدر المفروض بموجب حبّه. ثم ذكرت الآية الأمرَ بالوفاء بالعهد. وذلك يتعلق بالأمور الاجتماعيَّة. ثم ذكرت الأمرَ بالصبر. وذلك يتعلق بإحسان السيرة والسلوك؛ فالآية أجملت ذكرَ أبواب التقوى كلها؛ لذلك انتهت بقوله تعالى: "اُولـ?ـئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ".

فقل لى: أفليس الله تعالى دَلَّنا على هذه التدابير لدخول الجنّة؟ وهذه التدابيرُ أليست اخيتاريَّةً؛ فدخولُ الجنَّة – يا تُرَى? – اختياريًّا كان أم غيرَ اختياريٍّ؟. أما القول بأنّ التدابيرَ فَصَّلَها لنا اللهُ؛ ولكن العمل بها والأخذ بها إنما هو مُتَوَقِّفٌ على مشيئته تعالى، ولا يمكن العمل بها بدون مشيئته عزّ وجلَّ. فلا شكّ أن الإيمان بالمشيئة جزءٌ من عقيدتنا. ولكن هذه المشيئة لاتتعلق فقط بقضية دخول الجنّة أو النار؛ بل إن جميع الأمور في الدنيا متوقفة على مشيئته تعالى، من القيام بالزراعة، وممارسة الوظيفة؛ فلماذا نسعى لهما دون أن نُفَكِّر في قضية المشيئة الإلهيَّة؟ وكذلك فالموت أيضًا متوقف على مشيئته تعالى؛

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير