تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[باب: تفضيل الأعمال على بعض، كلام نفيس لشيخ الإسلام ابن تيمية]

ـ[أبو شعيب]ــــــــ[13 - Apr-2009, صباحاً 07:49]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم،

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في [مجموع الفتاوى: 24/ 193 - 200]:

وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: لَيْسَ قَبْلَ الْجُمُعَةِ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ مُقَدَّرَةٌ. وَلَوْ كَانَ الْأَذَانَانِ عَلَى عَهْدِهِ، فَإِنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْهُ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قَالَ: {بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ. ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ} كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ سُنَّةً. فَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ مَشْرُوعَةٌ قَبْلَ الْعَصْرِ، وَقَبْلَ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ، وَقَبْلَ الْمَغْرِبِ، وَأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِسُنَّةٍ رَاتِبَةٍ. وَكَذَلِكَ قَدْ ثَبَتَ أَنَّ أَصْحَابَهُ كَانُوا يُصَلُّونَ بَيْنَ أَذَانَيْ الْمَغْرِبِ، وَهُوَ يَرَاهُمْ فَلَا يَنْهَاهُمْ، وَلَا يَأْمُرُهُمْ، وَلَا يَفْعَلُ هُوَ ذَلِكَ؛ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ فِعْلٌ جَائِزٌ. وَقَدْ احْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ الْجُمُعَةِ بِقَوْلِهِ: {بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلَاةٌ}. وَعَارَضَهُ غَيْرُهُ فَقَالَ: الْأَذَانُ الَّذِي عَلَى الْمَنَابِرِ لَمْ يَكُنْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَكِنَّ عُثْمَانَ أَمَرَ بِهِ لَمَّا كَثُرَ النَّاسُ عَلَى عَهْدِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَبْلُغُهُمْ الْأَذَانُ حِينَ خُرُوجِهِ وَقُعُودِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ. وَيَتَوَجَّهُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا الْأَذَانُ لَمَّا سَنَّهُ عُثْمَانُ وَاتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ صَارَ أَذَانًا شَرْعِيًّا، وَحِينَئِذٍ فَتَكُونُ الصَّلَاةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَذَانِ الثَّانِي جَائِزَةً حَسَنَةً، وَلَيْسَتْ سُنَّةً رَاتِبَةً كَالصَّلَاةِ قَبْلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ. وَحِينَئِذٍ فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَرَكَ ذَلِكَ لَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ. وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ، وَكَلَامُ الْإِمَامِ أَحْمَد يَدُلُّ عَلَيْهِ. وَحِينَئِذٍ فَقَدْ يَكُونُ تَرْكُهَا أَفْضَلَ إذَا كَانَ الْجُهَّالُ يَظُنُّونَ أَنَّ هَذِهِ سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ أَوْ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ، فَتُتْرَكُ حَتَّى يَعْرِفَ النَّاسُ أَنَّهَا لَيْسَتْ سُنَّةً رَاتِبَةً وَلَا وَاجِبَةً؛ لَا سِيَّمَا إذَا دَاوَمَ النَّاسُ عَلَيْهَا. فَيَنْبَغِي تَرْكُهَا أَحْيَانًا حَتَّى لَا تُشْبِهَ الْفَرْضَ، كَمَا اسْتَحَبَّ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُدَاوَمَ عَلَى قِرَاءَةِ السَّجْدَةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، مَعَ أَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا، فَإِذَا كَانَ يَكْرَهُ الْمُدَاوَمَةَ عَلَى ذَلِكَ فَتَرْكُ الْمُدَاوَمَةِ عَلَى مَا لَمْ يَسُنَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْلَى.

وَإِنْ صَلَّاهَا الرَّجُلُ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ أَحْيَانًا؛ لِأَنَّهَا تَطَوُّعٌ مُطْلَقٌ، أَوْ صَلَاةٌ بَيْنَ الْأَذَانَيْنِ، كَمَا يُصَلِّي قَبْلَ الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ، لَا لِأَنَّهَا سُنَّةٌ رَاتِبَةٌ، فَهَذَا جَائِزٌ. وَإِنْ كَانَ الرَّجُلُ مَعَ قَوْمٍ يُصَلُّونَهَا: فَإِنْ كَانَ مُطَاعًا إذَا تَرَكَهَا - وَبَيَّنَ لَهُمْ السُّنَّةَ - لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ بَلْ عَرَفُوا السُّنَّةَ، فَتَرْكُهَا حَسَنٌ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُطَاعًا، وَرَأَى أَنَّ فِي صَلَاتِهَا تَأْلِيفًا لِقُلُوبِهِمْ إلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ، أَوْ دَفْعًا لِلْخِصَامِ وَالشَّرِّ، لِعَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ بَيَانِ الْحَقِّ لَهُمْ وَقَبُولِهِمْ لَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا أَيْضًا حَسَنٌ.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير