تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[شروع الحب بين الخلق ونتائجه الدنيوية والأخروية للأستاذ محمود عقيل العاني]

ـ[القرشي]ــــــــ[13 - Jun-2009, مساء 01:34]ـ

يسال سائل ويقول: إنني احمل أنواعا متباينة من المحبة في نفسي، تتعلق بالأطعمة اللذيذة، وبنفسي وزوجتي وبأولادي ووالديّ وبأحبابي وأصدقائي، وبالأنبياء المكرمين والعلماء المتقين والأولياء الصالحين، بل يتعلق حبي بكل ما هو جميل، وبالربيع الزاهي خاصة وبالدنيا عامة .. فلو سارت هذه الأنواع المختلفة من المحبة وفق ما يأمر به القرآن الكريم، فما تكون نتائجها وما فوائدها؟.

الجواب: إن بيان تلك النتائج وتوضيح تلك الفوائد كلها يحتاج إلى تأليف كتاب ضخم في هذا الشأن، لذا سنشير وسنبين اولاً النتائج التي تحصل في الدنيا، ثم بعد ذلك نبين النتائج التي ستظهر في الآخرة.

وقبل أن ابدأ فلا بد أن أشير إلى أن أنواع المحبة التي لدى أرباب الغفلة والدنيا والتي لا تنبعث إلا لإشباع رغبات النفس، لها نتائج أليمة وعواقب وخيمة من بلايا ومشقات، مع ما فيها من نشوة ضئيلة وراحة قليلة.

فمثلاً: الشفقة تصبح بلاءً مؤلماً بسبب العجز، والحب يغدو حُرقة مفجعة بسبب الفراق، واللذة تكون شراباً مسموماً بسبب الزوال.

أما في الآخرة فستبقى دون جدوى ولا نفع، لأنها لم تكن في سبيل الله تعالى، أو تكون عذاباً أليماً إن ساقت إلى الوقوع في الحرام.

ولعل سؤالا يطرح نفسه استدراكا: كيف يظل حب الأنبياء الكرام والأولياء الصالحين دون نفع أو فائدة؟

الجواب: مثلما لا ينتفع النصارى المعتقدون بالتثليث من حبهم لسيدنا عيسى عليه السلام، وكذا الروافض من حبهم لسيدنا علي رضي الله عنه!

أما ما ذكرته من أنواع المحبة فان كانت وفق إرشاد القرآن الكريم وفي سبيل الله سبحانه وتعالى ومحبة الرحمن الرحيم، فان نتائج جميلة تثمر في الدنيا، فضلاً عن نتائجها الطيبة الخالدة في الآخرة.

أما نتائجها في الدنيا:

فان محبتك للأطعمة اللذيذة والفواكه الطيبة فهي نعمة إلهية لا يشوبها ألم، ولذة لطيفة في الشكر بعينه.

أما محبتك لنفسك أي إشفاقك عليها، والجهد في تربيتها وتزكيتها، ومنعها عن الأهواء الرذيلة، تجعلها منقادة إليك، فلا تسيرّك ولا تقيدك بأهوائها بل تسوقها أنت إلى حيث الهدى دون الهوى.

أما محبتك لزوجتك وهي رفيقة حياتك، فلأنها قد أسست على حُسن سيرتها وطيب شفقتها، وكونها هبة من الرحمة الإلهية، فستولها حباً خالصاً ورأفة جادة، وهي بدورها تبادلك هذه المحبة مع الاحترام والتوقير، وهذه الحالة تزداد بينكما كلما تقدمتما في العمر، فتقضيان حياة سعيدة هنيئة بإذن الله .. ولكن لو كان ذلك الحب مبنياً على جمال الصورة الذي تهواه النفس، فانه سرعان ما يخبو ويذبل، وتفسد الحياة الزوجية ايضاً.

أما محبتك للوالد والوالدة، فهي عبادة تُثاب عليها ما دامت في سبيل الله، ولا شك انك ستزيد الحب والاحترام لهما عندما يبلغان الكبر، وتكسب لذة روحية خالصة وراحة قلبية تامة لدى القيام بخدمتهما وتقبيل أيديهما وتبجيلهما بإخلاص، فتتوجه إلى المولى القدير، وأنت تشعر هذا الشعور السامي والهمة الجادة، بأن يطيل عمرهما لتحصل على مزيد من الثواب .. ولكن لو كان ذلك الحب والاحترام لأجل كسب حطام الدنيا ونابعاً من هوى النفس، فانه يولد ألماً روحياً قاتماً ينبعث من شعور سافل منحط وإحساس دنئ وضيع هو النفور من هذين الموقرَين اللذين كانا السبب لحياتكَ أنت، واستثقالهما وقد بلغا الكبر وباتا عبئاً عليك، ثم الأدهى من ذلك تمني موتهما وترقّب زوالهما!

أما محبتك لأولادك، أي حبك لمن استودعك الله إياهم أمانةً، لتقوم بتربيتهم ورعايتهم .. فحب أولئك المؤنسين المحبوبين من خلق الله، إنما هو حب مكلل بالسعادة والبهجة، وهو نعمة إلهية في الوقت نفسه، فإذا شعرت بهذا فلا يَنْتَابك الحزن على مصابهم ولا تصرخ متحسراً على وفاتهم. إذ إن خالقهم رحيم بهم حكيم في تدبير أمورهم وعند ذلك تقول إن الموت بحق هؤلاء لهو سعادة لهم. فتنجو بهذا من ألم الفراق وتتفكر أن تستدر رحمته تعالى عليك.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير