[ابن جبرين وسبع وسبعون سنة في خدمة العلم مع مرثية رائعة]
ـ[الأحوذي]ــــــــ[18 - Jul-2009, مساء 01:01]ـ
ابن جبرين وسبع وسبعون سنةً في خدمة العلم
كتبه / حاتم بن فالح المدرَّع
إن للعلماء مكانة عظمى ومنزلة كبرى؛ لأنهم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسل. وفقد العلماء الربانيين والأئمة المصلحين فجيعة عظيمة ورزيَّة كبيرة، كما قيل:
لعمرك ما الرزية فقد مال * ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الرزية فقد شيخ * يموت بموته خلق كثير
فعن ابن عباس - رضي الله عنهما - في قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا} قال: (موت علمائها وفقهائها).
وقال الحسن - رحمه الله -: "موت العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدها شيءٌ ما اختلف الليل والنهار".
والإمام العلامة الدكتور عبدالله بن عبدالرحمن بن جبرين هو أحد العلماء الأفذاذ والمحققين الكبار الذين يسير الناس على منهجهم، ويقتبسون من نور علمهم، كيف لا وقد بذل نفسه ووقته وعمره كله في خدمة العلم دراسةً وتدريساً ودعوة وتوجيهاً.
سبع وسبعون سنةً كلها صبر وعطاء وعلم وعمل، وبذل وإحسان.
عرف الكثير من الناس العلامة ابن جبرين منذ سنوات طويلة، فلم تبق قرية ولا مدينة إلا وزارها داعياً وموجهاً ومعلماً ومفتياً، وقد وضع الله تعالى له القبول في قلوب الملايين من الناس؛ وما ذلك إلا لإخلاصه لله سبحانه – نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً – جمع بين العلم والعمل، إذا رأيته تذكرت علماء السلف في جدّهم وصبرهم وبذلهم الغالي والنفيس في خدمة الأمة، إذا رأيته رأيت سَمْتاً ووقاراً وهيبةً وجلالاً.
حدثني أحد أصهار الشيخ – في مجلس العزاء - بأنه قبل وفاته بأيام لم يكن يتكلم من شدة المرض وبسبب الأجهزة الطبية، لكن إذا قرأ عليه القرآن تحرك فكّاه مع القراءة، وفي موقف آخر كانت إحدى بناته تقرأ عليه القرآن في مرضه فأخطأت في آية فالتفت إليها الشيخ بقوة.
تميَّز الشيخ بالتواضع الجمّ والأدب الرفيع، لم يكن يسمح لأحد بأن يقبل رأسه وإذا أصر أحدهم على ذلك دفعه بيده بكل أدبٍ ولطفٍ، كما حصل معي ذات مرة.
روى أبو هريرة 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ -: أن النبي (ص) قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح. والشيخ انقطع عمله منذ الساعة الثانية ظهراً يوم الاثنين الموافق 20/ 7/1430هـ إلا من هذه الثلاث، فإنه عرف عن الشيخ كثرة الصدقات والشفاعات لطلاب العلم ولعموم الناس وخصوصاً المحتاجين والفقراء. كما أن له أولاداً صالحين كانوا في حياته يغْشَون أباهم ويخدمونه ويقومون بالحقوق الشرعية والآداب الدينية، وهم لا يزالون مستمرين بالدعاء لوالدهم. كما أن الشيخ خلّف علماً غزيراً وكتباً كثيرة وفتاوى نافعة، وعدداً لا يحصى من طلاب العلم والدعاة والمصلحين.
وكان أول مؤلفاته:
البحث المقدم لنيل درجة الماجستير في عام 1390هـ (أخبار الآحاد في الحديث النبوي)
وفي عام 1399هـ سجّل في كلية الشريعة لدرجة الدكتوراه واختار تحقيق (شرح الزركشي على مختصر الخرقي) وهو أشهر شروحه التي تبلغ ثلاثمائة بعد المغني لابن قدامة، واقتصر في الرسالة على أول الشرح إلى النكاح دراسةً وتحقيقاً ونوقشت الرسالة، ثم كَمَّل تحقيق الكتاب وطبع في سبعة مجلدات كبار وهو موجود متداول والحمد لله.
وقد أخبرني أحد المسؤولين في المكتبة المركزية بجامعة الإمام أن أكثر ما يطلب من الأشرطة المسجلة لمناقشات الرسائل العلمية هي مناقشة رسالة الدكتوراه للشيخ.
و قد اهتم التلاميذ بتسجيل علم الشيخ وأَوْلَوه عنايةً شديدةً، وذلك بتتبع الدروس والمحاضرات وتسجيلها في أشرطة ثم الاحتفاظ بها ومن ثم نَسْخ ما تيسر منها للتداول وللطبع، وقد فُرِّغَ كثيرٌ منها وطُبِع بعناوين متعددة تتعلق بالصيام والحج والصلاة والزكاة وغيرها.
¥