[كلام نفيس لشيخ الإسلام عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.]
ـ[أبو سلمان الجزائري]ــــــــ[19 - Jul-2009, مساء 09:20]ـ
كلام نفيس لشيخ الإسلام:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
وكذلك الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ لا يجب على كلِّ أحدٍ بعينه , بل هو على الكفاية كما دل عليه القرآن، ولما كان الجهاد مِن تمام ذلك كان الجهاد أيضا كذلك , فإذا لم يقم به مَن يقوم بواجبه أثم كلُّ قادرٍ بحسب قدرته , إذ هو واجبٌ على كلِّ إنسانٍ بحسب قدرته , كما قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَان"ِ. (7)
وإذا كان كذلك فمعلوم أنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وإتمامه بالجهاد؛ هو مِن أعظم المعروف الذي أمرنا به , ولهذا قيل: " ليكن أمرك بالمعروف ونهيك عن المنكر غير منكر"، وإذا كان هو مِن أعظم الواجبات والمستحبات , فالواجبات والمستحبات لابد أن تكون المصلحة فيها راجحة على المفسدة , إذ بهذا بُعثت الرسل ونَزلت الكتب {وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} [البقرة: 205] بل كلُّ ما أمر الله به فهو صلاحٌ. وقد أثنى الله على الصلاح والمصلحين {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 82] وذم المفسدين في غير موضع , فحيث كانت مفسدة الأمر والنهي أعظم من مصلحته؛ لم تكن مما أمر الله به , وإن كان قد ترك واجب وفعل محرم , إذ المؤمن عليه أن يتقي الله في عباده وليس عليه هداهم.
وهذا معنى قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105] ,والاهتداء إنما يتم بأداء الواجب , فإذا قام المسلم بما يجب عليه مِن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما قام بغيره مِن الواجبات؛ لم يضرَّه ضلال الضُلاَّل , وذلك يكون تارة بالقلب , وتارة باللسان , وتارة باليد , فأما القلب فيجب بكل حالٍ إذ لا ضرر في فعله , ومَن لم يفعله فليس هو بمؤمن كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم " وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ " وقال" وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنْ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ " وقيل لابن مسعود:مَنْ مَيِّتُ الأَحْيَاءِ؟ فَقَالَ:الَّذِي لا يَعْرِفُ مَعْرُوفًا ولا يُنْكِرُ مُنْكَرًا. (8) وهذا هو المفتون الموصوف في حديث حذيفة بن اليمان.
وهنا يغلط فريقان مِن النَّاس:فريقٌ يترك ما يجب مِن الأمر والنهي تأويلًا لهذه الآية؛كما قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه في خطبته " إنكم تقرؤون هذه الآية {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإنكم تضعونها في غير موضعها , وإني سمعت النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: " إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوا الْمُنْكَرَ فَلَمْ يُغَيِّرُوه أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْهُ". (9)
والفريق الثاني: مَن يريد أن يأمر وينهى؛ إما بلسانه وإما بيده مطلقًا؛ مِن غير فقهٍ وحلمٍ وصبرٍ ونظرٍ؛ فيما يصلح مِن ذلك ومالا يصلح، وما يَقدر عليه ومالا يَقدر كما في حديث أبى ثعلبة الخشني سألتُ عنهارسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بَلْ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا وَهَوًى مُتَّبَعًا وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً وَإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ بِرَأْيِهِ , فَعَلَيْكَ بِخَاصَّةِ نَفْسِكَ وَدَعْ الْعَوَامَّ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ"، فيأتي بالأمر والنهي معتقدًا أنه مطيعٌ في ذلك لله ورسوله؛ وهو معتدٍ في حدوده كما انتصب كثيرٌ مِن أهل البدع والأهواء كالخوارج والمعتزلة والرافضة وغيرهم؛ ممن غلط فيما أتاه من الأمر والنهى والجهاد على ذلك , وكان فسادُه أعظمَ مِن صلاحه , ولهذا أمر النَّبيّ صلى الله عليه وسلم بالصبر على جور الأئمة , ونهى عن قتالهم ما أقاموا الصلاة وقال: "أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا
¥