تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[حتى لا نفترق!!]

ـ[أبو سلمان المسلم]ــــــــ[01 - Aug-2009, مساء 10:03]ـ

[حتى لا نفترق!!]

4/ 7/1430 - الشيخ سليمان الماجد

جعل الله الاختلاف بين الناس سنة اجتماعية لازمة، ومن أظهر حِكَمها: امتحان القلوب وتمحيص الصدور، قال الله تعالى: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنْ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ" المائدة (48).

وسواء كان هذا الاختلاف في الموضوع، أو كان ذلك بسبب التفريط في تحقيق أوليات الجدل والمناظرة؛ كإزالة عراقيل الاتفاق بين المختلفين في الوسائل مما قد يكونوا متفقين في موضوعه.

ولنتحدث عن أسهل الأمرين وهي عراقيل الاتفاق في الوسائل؛ لأنها تزيل الكثير من أسباب الاختلاف، ونجعل البحث في سبل التعامل في الاختلاف في الموضوع لموضع غير هذا.

فمن معوقات الوسائل:

غياب المعلومة: فالجهل بالشيء يؤدي إلى الاختلاف؛ فيما يمكن حسمه بالوقوف على معلومة بسيطة.

ولهذا يقع المنازع الجاهل في موقف لو نظر إلى نفسه بعد علمه لقال: يا ليتني مت قبل هذا. قال الله تعالى: "بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه". ويقول الشافعي: ناظرت مائة عالم فغلبتهم وناظرني جاهل واحد فغلبني.

وما ذلك إلا لأن الجاهل يحتج ببحر لا ساحل له، وعالم لا نهاية له آلا وهو الجهل؛ فإذا كان كل معلوم يجهله، وأنه يرى جهله به عِلْمٌ؛ فما يجهله أكثر مما يعرفه العالم من المعلومات، مهما بلغ في علمه.

وإنما عُرف حسن العلم بآثار الجهل؛ فأخطر آثاره وضع الشيء في غير موضعه، وكذلك الجمع بين المفترقات، والتفريق بين المتماثلات، وإعطاء الشيء حكماً مبنياً على الوهم والشك.

وليحذر المناظر والمتحدث من الاعتماد على الثقافة العامة والمطالعة السريعة، أو أن يتكلم في فن لا تخصص له فيه إلا بعلم ومشورة.

ولهذا أدام العقلاء الصمت، وتركوا الخوض فيما لا يحسنونه.

قال الخطيب البغدادي في "الفقيه والمتفقه" (2/ 31) عن طالب العلم: ( .. ويحفظ لسانه من إطلاقه فيما لا يعلمه , ومن مناظرته فيما لا يفهمه).

ومن ذلك: عدم الفرز عند النظر في الأمور المتشابكة المتداخلة:

حيث يقع التداخل بين الأمور المتعددة، كما يقع بين الشخص والمسألة، وكذلك بين شخص وشخص؛ فيحصل غبش الرؤية فينتج خطلا في الحكم.

فلو أن الناظر أو المناظر عزل كل حالة ودرس ظروفها المحيطة والدليل المؤثر في كل مسألة لأعطى كل واحدة حقها من الحكم الذي قد يخالف الأخرى، ولما وقع خلاف مع أحد في مسائل كثيرة.

فأما التفريق بين الأشخاص فهي عكس مسألة التعميم المذمومة، والقاعدةُ الجَهُولُ عند البعض هي: أن ما فعلته أمة أو طائفة هو فعل جميع أفرادها؛ فتقع الأحكام الجاهلة ويقع بسببها التنازع والخلاف.

وأما التفريق بين الشخص والمسألة؛ فمثل قضية التكفير: فيرى البعض أن النصوص العامة التي تحدد سبب الكفر هي حكم بالخصوص على كل شخص قام به ذلك السبب فوقع التنازع، وحصل التكفير والتبديع، وكذلك تفسيق أو تجهيل من لم يكفر.

وقد بين الإمام ابن تيمية كما في "مجموع الفتاوى" (12/ 487) سبب الخطأ والانحراف وأنه عدم التفريق بين القول والقائل.

فهنا فرقوا بين سبب الكفر وبين فاعله، رغم التداخل الشديد والتمازج شبه الكلي؛ فالفعل قد قام بالمعين، ونصوصُ الشريعة دلت على أن من قال هذا أو فعله فهو كافر، ولكن الموفقين من محققي العلماء حين فرقوا بين الشيء وفاعله أو قائله انتهوا إلى نتائج عظيمة وهي تخلف وصف الكفر في أحايين كثيرة، وحينئذ يبقى وصف الإسلام وتُستصحب جميع أحكامه؛ بينما أقدم البعض على التكفير، وترتيب آثاره بغير علم ولا بصيرة.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير