[هل الهموم من ضعف الإيمان؟]
ـ[أحمر العين]ــــــــ[05 - Aug-2009, مساء 12:00]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وبعد
التفتَ الإمام عن اليمين والشمال مسلماً من صلاة الجمعة 14/ 4/1430هـ وأقبل بوجهه على المصلين، وتحركت الجموع بين منصرف ومسند لظهره وقائم يتنفل ..
فقام من أمامي رجل أقرب للبدانة في الجسم، توجه إلى الإمام وهمس بكلمات أظن أن الإمام نفسه لم يسمعها إلا أن الوضع للجميع كان ظاهراً أنه يطلب المكبر لإلقاء كلمة،
أمسك بالمكبر وواجه عموم المسبحين فإذا به رجل قصير ذو لحية كثة طويلة اختلط بياضها الحديث بسواد يئن، منبئٌ عن إيذانٍ برحيل .. واتسم على محياه علامة الثبات.
وبعد صمت قصير شد به الانتباه وحبس به الأنفاس وجلس به من كان قد قام للانصراف،
انطلق لسانه بالبيان فإذا به يحذر الأمة من انتشار مرض خطير، وداء عضال تفشى في الأمة هذا العصر ...
ويستمر بمقدمته التي حبست أنفاسنا، والكل فضوله يقاتله ليعرف المراد من حديث الخطيب حتى أفصح بقوله:
إنه قول الناس:
أنا طفشان، زهقان، نكدان ..
وبأسلوبٍ أفصح الهموم والغموم ..
----
إذا عُرِفَ السبب بطل العجب ..
أسندتُ رأسي مُتكأً على متكئ المسجد، وغبتُ في تلك اللحظات سابحاً في فكر بعيد لم أدري بنفسي إلا والصوت قد انقطع والخطيب يتنفل فأسرعتُ الخُطا إلى محل عملي، فأنا أعمل بلا انقطاع ولا عطل رسمية حتى في أعياد المسلمين.
سارعتُ الخُطا مستمراً في بحر الأفكار المتلاطمة.
هل هذا الرجل يعي ما يقول؟!
لقد يظهر واضحاً على هيئته اليسر والراحة النفسية والبدنية ..
فهل هؤلاء يعقلون ما يقولون؟
أيظنون أن الأمة جمعاء تعيش كحالهم، حتى يصف أصحاب الهموم على العموم بضعف الإيمان والابتلاء بمرض العصر؟
حقاً إني لأعجب.
وكيف لا أعجب وحق لي العجب.
أيستوي هذا وذاك؟.
دعنا من مثاليات من لم يعش حياة الكدر، ولم يعي الجمع بين نصوص القدر ..
والله لقد سئمت أمثال هؤلاء الوعاظ الذين تخالف فعالهم أقوالهم،
أَتَذكرُنِي – قبل سُنيَّاتٍ معدودة من هذا الحدث - وأنا في مسجد أستمع لأحدهم وهو يحدث عن الزهد في الدنيا وابتغاء الآخرة، في كلام شجي يبعث على الإحساس بالرقي الروحي، والارتقاء إلى مراتب التوكل الحقيقي واليقين ..
ويصفعني واقعي للعودة إلى عملي في محل تجاري وإذ بالخطيب يدخل إلى المحل ليعانق صاحب المحل فإنه صديقه، ولك أن تتخيل الحديث الذي لم ينقطع حول زيادة الدخل وطرق التجارة والكسب الحلال!!
الله المستعان ..
الرجل دخله أضعاف أضعاف دخل الفرد العادي في المجتمع، ويملك بيتاً وسيارة ومتزوج وله أولاد ولأبيه عقار وعمارة يمتلكها. فماذا بعد؟!
ولماذا إذاً يعظ الناس في الزهد في الدنيا؟!
لا .... لا،،
أرجوكم لا تفهموني خطأً،
أنا لست معارضاً للدعوة إلى الخير.
والوعظ بالقربات ولو ممن لا يفعلها ..
ولكنَّ نفسي لا تقبل مثل أولئك الذين يدعون إلى خير لا يأتونه ..
نعم قد يُهدى على يديه ويُنتفع به ولو كان هو بعيداً عما يقول.
ورد عن ابن الجوزي – فيما نقله العثيمين في شرحه لرياض الصالحين - أنه جاءه عبد يطلبه أن يعظ الناس في فضل العتق لما لابن الجوزي من تأثير في الوعظ مشهور، وكان سيد العبد ممن يحضر للشيخ فأراد العبد أن يسمع سيده الموعظة في فضل العتق فيعتقه
فقبل الشيخ ووعده خيراًَ، إلا أنه تأخر ما شاء الله أن يتأخر فجاءه العبد عاتباً أو مذكراً،
فأجابه الشيخ بأنه لم يملك بعد عبداً ليعتقه، وأنه لا يحب أن يعظ الناس بشيء لم يفعله،
ثم لبث ما شاء الله حتى تمكن من العتق فوعظ فأبلغ وتحقق ما تمناه العبد إذ تأثر سيده فمن عليه بالعتق.
نعم فهذه الصور حقيقية ولكنها قديمة مهترئة بعامل الزمن، إذ الجديد وللأسف سريع العطب.
------
هل أُفْصِح لك فأقول أني لا أرى زاهداً حقيقياً في هذا الزمن،، وأن وعاظنا أراهم يعظون بغير ما يفعلون،،
لم أتعرف على أحد إلا وجدته يهدر، ويسعى لزيادة الدخل ..
أليس هذا هو مرض العصر الحقيقي؟
أين نحن عن الزهد والزهاد والتفرغ للطاعات،،
أنا لست ضد زيادة الدخل والسعي لها،
ولست أمنع الوعظ من واعظ لم يعمل بوعظه
¥