تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[بحث شرعي حول (حكم اللحية وتقصيرها وبيان معنى حف الشارب).]

ـ[هشيم بن بشير]ــــــــ[19 - Oct-2009, مساء 02:34]ـ

أعفوا اللحى وحفوا الشوارب

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره. وبعد: فإن مسألة اللحية من المسائل التي لم يكن يذكرها أهل العلم إلا في هامش كتب الفقه ولا نعلم أحداً أفردها في مصنف مستقل، ولا نعلم أحداً ناظر عليها. ولم يحدث ذلك إلا في عصرنا الحالي، كأنه لم يبق من مسائل الفقه إلا هذه! ولولا تعصب بعض الناس فيها وتبادلهم التفسيق والتضليل من أجل طول بعض شعرات، لما كتبت هذا المقال. فقد جعلوا من يأخذ من لحيته عاصياً، ومن يحلقها ملعوناً فاسقاً مرتكباً لكبيرة من الكبائر لا تجوز الصلاة خلفه! وسيتبين لك أن القول بتحريم الأخذ من اللحية مطلقاً لا يجوز، لأنه قول لم يقل به أحد من السلف.

تخريج الحديث وبيان فقهه

روى نافع، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله r: « أَحْفُوا الشَّوَارِبَ وأَعفوا اللِّحَى». هذا أصح ألفاظ الحديث، وقد رواه يحيى بن سعيد وابن نمير، عن عُبيد الله، عن نافع (عند مسلم). ورواه مالك، عن أبي بكر بن نافع، عن أبيه نافع. وكذلك رواه أحمد عن غير نافع، فذكر عن عبد الرحمن، عن سفيان، عن عبد الرحمن بن علقمة، يقول: سمعت بن عمر يقول: قال رسول الله r: « أعفوا اللحى وحفوا الشوارب». وكذلك أخرجه مسلم عن سهل ابن عثمان، عن يزيد بن زُرَيْعٍ، عن عمر بن محمد بن زيد (ثقة لكنه ليس من أثبت الناس في نافع)، عن نافع، عن ابن عمر قال: قال رسول الله r: « خالفوا المشركين: أحفوا الشوارب واعفوا اللحى». لكن البخاري رواه عن محمد بن منهال عن ابن زريع بلفظ «وفروا اللحى»، وهذه رواية بالمعنى. ومثلها رواية عبدة بن سليمان، عن عبيد الله «أنهكوا الشوارب». فاللفظ الصحيح عن ابن عمر هو الأمر بالإعفاء.

وروى مسلم عن أبو بكر الصاغاني (ثقة ثبت)، عن سعيد بن أبي مريم (ثقة ثبت)، عن محمد بن جعفر بن أبي كثير (ثقة)، عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، عن أبيه، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله r: « جُزُّوا الشَّوَارِبَ وَأَرْخُوا اللِّحَى. خَالِفُوا الْمَجُوسَ». ورواه أحمد عن منصور بن سلمة أبو سلمة الخزاعي (ثقة ثبت) قال ثنا سليمان بن بلال (ثقة إمام) عن العلاء، بلفظ: «خذوا من الشوارب واعفوا اللحى». وأحسب الاختلاف من العلاء، فلم يكن من الحفاظ. ولفظ الإعفاء أولى لأنه ثابت في حديث ابن عمر.

وكلمة "اعفوا" لها عدة معان في اللغة العربية فهي من المشترك اللفظي، أي تعني الإطلاق وتعني التخفيف كذلك، فيقال "عفت الديار من سكانها" إذا خلت. ابن عبد البر: «أما اللغة في اعفوا فمحتملة للشيء وضده كما قال أهل اللغة». لكن فهم السلف أن كلمة "أعفوا اللحى" المقصود منه تكثير اللحية، ولو أخذ منها ما زاد على القبضة. قال ابن الأثير في النهاية (3

266): «ومنه الأمر بإعفاء اللحى: أن يوفر شعرها، ولا يقص كالشوارب، من عفا الشيء إذا كثر وزاد». فجعل ابن الأثير أعفوا بمعنى التكثير، وليس بمعنى الترك، ونهى عن قصها كالشارب، وليس عن الأخذ منها مطلقاً حتى ولو زادت عن القبضة. ولا أعلم أن أحداً من السلف فهم حديث "أعفوا اللحى" بمعنى الترك المطلق، بل فهموا أن أعفوا بمعنى التكثير. وليس النقاش أن أعفوا تأتي في اللغة بمعنى الترك، فهذا أمر مسلم فيه، فإن أعفوا له معان كثيرة منها الترك، ومنها التكثير ومنها معان أخرى لم أذكرها وهي في كتب أهل اللغة، فإذا قصد بالأمر الشرعي أحد معانيه اللغوية، وفهم السلف هذا الفهم فلا يحتج علينا باللغة، لأننا نقول: هل كان السلف لا يعرفون اللغة العربية عندما أجازوا أخذ ما زاد على القبضة.؟ وهل كان تفسير الإعفاء بالتكثير معنى منتحلاً ومزوراً، أو هو موجود في كتب اللغة أيضاً؟ فمن قال: إن الإعفاء يعني الترك فليأت به من كلام أهل الفقه، ومن فهم السلف. بل إن بعض العلماء كابن الجوزي يرى أن طول اللحية الفاحش يدل على الغباء، ونقل عن كثير من العلماء ذم اللحية الطويلة وصاحبها، وهذا يدل على أنهم يرون التقصير. وهو نفسه كانت لحيته قصيرة.

مذاهب الأئمة الأربعة

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير