تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

{ويتّبع غير سبيل المؤمنين} دعوةٌ إلى الحوار الهادف

ـ[أبو عبد الرحمن من دمشق]ــــــــ[28 - Oct-2009, مساء 03:11]ـ

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

وصلى الله وسلم على نبيه الكريم، وبعد:

استشكلتُ منذ زمنٍ أن يُكثِرُ البعضُ من الاحتجاج بقوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} على قضيةِ لزوم الوقوف عند أقوال السلف الصالح من الصحابة والقرون الثلاثة الأولى.

وقد بدا لي في القضيةِ رأيٌ إن كان صواباً فهو من الله تعالى، وإن كان خطأً فمني، وهو مطروحٌ للنقاش بعلمٍ وحلم.

فبعد الاتفاقِ على أنه لا نزاع في فضلِهم رضوان الله عليم الثابتِ بالقرآن الكريم والسنة الصحيحة، ولا في كون أقوالهم وفهومهم «مقدَّمةً» ولذلك للأسباب المتفق عليها من خيريتهم، وقربِهم من عصر الرسالة، ونقاء فطرتهم، وسلامة لغتهم ... إلخ.

ولكن الإشكال في اعتبار أقوالهم «مقدَّسةً» ـ بطريقةٍ ما ـ لا يجوزُ أن تُخالَفَ!

فها هم أهلُ العلم قد خالفوا قديماً أحاديثَ نبويةً صحيحةً لأسبابٍ كثيرةٍ دون نكير؛ إذ كانت مخالفتُهم اجتهاداً يجمع بين النصوص المتعارضة، وينطبق تحت أصولٍ علمية، وقواعدَ أصولية مستنبطة من الكتاب والسنة المطهرة.

فيكون من باب أولى أنّ مخالفة «بعض» أقوال السلف، وعدم الوقوف عند حرفيتها إذا كانت هذه المخالفة ناتجةً عن اجتهادٍ له أدلته لا تخرجُ عن منهج السلف أنفسِهم الذين كان يخالف بعضُهم بعضاً، ويعترض أصاغرُهم على أكابرهم، وهم غالباً شيوخهم ومعلموهم.

ولا ننسى «خلاف مالك» للإمام الشافعي، وكتاب «الرد على أبي حنيفة» من كتب «مصنف ابن أبي شيبة»، و «الرد على أبي حنيفة» و «الرد على الشافعي» للجهضمي المالكي (282هـ)، وكثير غيرها لكثير غيرهم.

وأما الآية الكريمة فإنّ الذي يعود إلى كتب التفسير وأسباب النزول يجد أن الآية نزلت في الذي ارتدّ، واتبع غير سبيل الإسلام.

وحَملُها على لزوم التقيُّد بحرفية أقوال الصحابة ـ وأقوالُهم تختلفُ اختلافاتٍ لا حصرَ لها رضي الله عنهم ـ تحميلٌ للآية ما لم تُصرِّح به، بل هو آراءٌ لبعض المفسّرين المتأخرين تُخالف ما قاله الأئمة المتقدمون.

وهذه الآراء تستند إلى مفهومٍ من الآية فحسب، وهو ليس بذي دلالة قطعيةٍ حتى يُعاملَ هذه المعاملة، ويُستشهدَ به ذلك الاستشهاد.

وممن حدّ للآيةِ حدوداً الألوسيُّ رحمه الله؛ حيث قال:

{ويتبع غير سبيل المؤمنين} أي: غير ما هم مستمرّون عليه من عقد وعمل، فيعم الأصول والفروع، والكل والبعض.

أقول: فإدخاله الفروعَ، والبعض مُشكل!

في حين أنّا نجد أنّ المتقدمين قالوا بأوسعَ مما ضيّقَ به؛ وحملوا الآيةَ على النظيرين: «دين الإسلام»، و «الكفر» أو الردة.

فقد قال الإمام الطبري:

القول في تأويل قوله: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا}

قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه بقوله: {ومن يشاقق الرسول}، ومن يباين الرسولَ محمداً صلى الله عليه وسلم، معادياً له، فيفارقه على العداوة له {من بعد ما تبين له الهدى}، يعني: من بعد ما تبين له أنه رسول الله، وأن ما جاء به من عند الله يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

{ويتبع غير سبيل المؤمنين}، يقول: ويتبع طريقاً غير طريق أهل التصديق، ويسلك منهاجاً غير منهاجهم، وذلك هو الكفر بالله؛ لأن الكفر بالله ورسوله غيرُ سبيل المؤمنين وغير منهاجهم.

{نولّه ما تولّى}، يقول: نجعل ناصره ما استنصره واستعان به من الأوثان والأصنام، وهي لا تُغنيه ولا تدفع عنه من عذاب الله شيئاً، ولا تنفعه، كما:

حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {نوله ما تولى}، قال: من آلهة الباطل.

حدثني ابن المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.

* * *

وقال ابن أبي حاتم:

قوله تعالى: {ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى}

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير