تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

التحكيم في الشريعة بين الزوجين أنموذجاً

ـ[أبو عبد الله عادل السلفي]ــــــــ[31 - Oct-2009, مساء 10:22]ـ

التحكيم في الشريعة بين الزوجين أنموذجاً

عبد القادر أحنوت (*)

سعت الشريعة الإسلامية إلى حسم مادة النزاع والخلاف بين الناس بوسائل رضائية قبل اللجوء إلى قوة السلطان، ومن هذه الوسائل: التحكيم الإسلامي.

التحكيم في اللغة والاصطلاح:

التحكيم لغةً: جعل الحكم إلى الآخر ليحكم، يقال: حكَّمتُ فلاناً في مالي؛ إذا جعلتُ الحكم إليه فيه، وحكَّمتُ الرجل: فوضتُ الحكم إليه، وحكَّموه في الأمر تحكيماً أمروه أن يحكم وأجازوا حكمه. فالتحكيم في اللغة هو: اختيار شخص وتفويض الأمر إليه للفصل بين المتنازعين [1].

والتحكيم في اصطلاح الفقهاء لا يخرج عن المعنى اللغوي.

جاء في «ردِّ المحتار» لابن عابدين أن التحكيم عرفاً هو: تولية الخصمين حاكماً يحكم بينهما [2].

لكن حكم المحكَّم – بفتح الكاف - ملزِم للخصمين لولايته عليهما [3]؛ لذلك كان لا بد من إضافة الإلزام إلى التعريف، فيكون التعريف الجامع للتحكيم هو: «اتفاق بين طرفي خصومة معينة، على تولية من يفصل في منازعة بينهما، بحكم ملزِم، يطبق الشريعة الإسلامية» [4].

مشروعية التحكيم:

والأدلة على جواز التحكيم من الكتاب والسنة وعمل الصحابة كثيرة أذكر بعضها مما يغني عن النظر في غيرها.

أما جوازه من الكتاب: فقوله - تعالى -: {وَإنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إن يُرِيدَا إصْلاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء: 53].

وهي من الآيات الأصول التي يستدل بها على مشروعية التحكيم عموماً [5].

ومن السُّنَّة: ما رواه النسائي عن أبي شريح قال: يا رسول الله! إن قومي إذا اختلفوا في شيء فأتوني فحكمت بينهم فرضي عني الفريقان، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما أحسن هذا!» [6].

وقَبِلَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحكيم سعد بن معاذ في يهود بني قريظة، وقَبِلَ حكمه فيهم لما اتفقوا على الرضا بحكمه [7].

قال النووي في شرحه لصحيح مسلم: «فيه جواز التحكيم في أمور المسلمين وفي مَهمَّاتهم العظام، وقد أجمع العلماء عليه ولم يخالف فيه إلا الخوارج» [8].

شروط التحكيم:

للتحكيم شروط تتعلق بطرفَي النزاع، وهما المتخاصمان، ويشترط فيهما: العقل، والبلوغ، وأهلية التصرف بأن تكون لهما ولاية على أنفسهما، وأن يكونا أهلاً لرفع الدعوى غير محجور عليهما.

وأخرى تتعلق بالمحتكَم إليه الذي يُختار للفصل بين المتنازعين، وقد اشترط فيه الفقهاء ما اشترطوه فيمن يُوَلَّى القضاء، إلا أن بعض هذه الشروط هي محلُّ اختلاف بين الفقهاء، ومن أهم هذه الشروط:

1 - أن يكون المحتكَم إليه مسلماً.

2 - أن يكون بالغاً عاقلاً صحيح الفكر والتمييز، جيد الفطنة بعيداً من السهو والغفلة، يتوصل بذكائه إلى إيضاح ما أشكل وفصل ما أعضل [9].

3 - أن يكون المحتكَم إليه معلوماً ومعيناً بالاسم أو بالصفة.

4 - أن يكون ذكراً، وأجاز الحنفية تحكيم المرأة فيما تصح فيه شهادتها، وشذَّ ابن جرير الطبري فجوَّز قضاءها في جميع الأحكام.

5 - أن لا يكون بينه وبين أحد الخصمين قرابة تمنع من الشهادة؛ كأن يكون أحد فروعه أو أصوله أو زوجته؛ للتهمة [10].

6 - العدالة: بأن يكون «صادق اللهجة ظاهر الأمانة عفيفاً عن المحارم، متوقياً المآثم، بعيداً عن الريب، مأموناً في الرضا والغضب، مستعملاً لمروءة مثله في دينه ودنياه، فإذا تكاملت فيه فهي العدالة التي تجوز بها شهادته وتصح معها ولايته» [11].

وإذا كان المقرر في الفقه الإسلامي أنه يشترط في المحتكَم إليه ما يشترط في القاضي المولَّى؛ فإن اختيار الطرفين له ورضاهما بحكمه من شأنه أن يخفف من بعض هذه الشروط وتصح حكومته رغم ما يشوبها من نقص ترجيحاً لعامل الثقة على عامل الكفاءة.

فقد ذهب الحنفية إلى جواز تحكيم الفاسق أو العامي؛ فإذا حاز الفاسق ثقة المتحاكمين وهما يعلمان سبب فسقه؛ فإن حكومته صحيحة، وكذلك العامي إذا تولَّى التحكيم واسترشد بالعلماء صحَّت حكومته [12].

ولا يشترط عند المالكية لصحة تولية المحتكم إليه أن يكون سليم الحواس، فتصح حكومة الأعمى والأخرس والأصم وينفذ قضاؤه [13].

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير