تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[افتح قلبك للنقد ...]

ـ[ذاكرة قلم]ــــــــ[13 - Nov-2009, صباحاً 08:46]ـ

افتح قلبك للنقد:

"رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب "

جملة تحوي من المعاني الكثير وتتضمن قوة في الرأي، وتدل على فقه قائلها، وليس ذلك فحسب؛ بل إنها تدل على عقل راسخ وفكر واع ليس له نظير ..

نعم؛ فقد قال الإمام أحمد: (إن فاتني إسناد بعلو أدركته بنزول، وإن فاتني عقل هذا – يشير إلى الإمام الشافعي - فمتى أدركه)

نعم تلك سمة تنطق بها هذه المقولة التي أثرت عنه – رحمه الله تعالى –، ولعمري إن الأمر لكذلك فها هو شيخ البلاغة في عصرنا الشيخ محمد محمد أبو موسى، يقول:

{وغزارة عقل الشافعي تكاثر بها علمه فصار علمه في رجاحة عقله وعقله في رجاحة علمه، ومثل هذا قليل في العلماء، وقد ذكر الشيخ أحمد محمد شاكر وهو من أعلم أهل زماننا بالفقه والحديث أنه يعتقد ((غير غال ولا مسرف أن هذا الرجل – يعني الشافعي – لم يظهر مثله من علماء الإسلام في فقه الكتاب والسنة ونفوذ النظر فيهما ودقة الاستنباط))}

نعم أخي الكريم هذا هو عقل الشافعي -يرحمه الله تعالى - صاحب كتاب الرسالة في الأصول والتي لاتزال كأنها كتبت هذا اليوم، فكما يقول: محمد محمد أبو موسى – أيضا -:

(فهناك نصوص كلما تقادم بها الزمان ازدادت عطاء وسخاء ونفعا وازداد العقل المعافى منها اقترابا وعناية، وتجدها أحدث حداثة وأكثر جدة واشد غضارة وأعذب ماء ورونقا من كلام كثير تقرؤه ولم يجف مداد كاتبه بعد.

والأمر كما قال أبو تمام في وصف قصيدته ((ابنة الفكر المهذب في الدجى))

ويزيدها مر الليالي جدة

... وتقادم الأيام حسن شباب.

بل؛ قد قال الإمام المزني – رحمه الله - وهو من هوعلما وفقها http://www.aljazeeratalk.net/forum/images/smilies/frown.gif منذ خمسين سنة وأنا أقرأ كتاب الرسالة، وكلما قرأته مرة استفدت منه مالم استفده من قبل)

ثم هاهو الشافعي يفتح قلبه وصدره للنقد ويفتح مساحة واسعة من الخلاف وهو يقول:

(رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأيي غيري خطأ يحتمل الصواب)

هل رأيت تعبيرا للشافعي يقول فيه: القول الفصل

أو القول القاطع؟!!

أبدا لن تجد!!

أتدري لماذا؟

لأنه كان واسع العلم غزير المعرفة راسخ العقل قد أوتي علما وحكمة فهو صاحب مذهبين وواضع علم الأصول، أما أولئك الذين يستخدمون تعبير: القول الفصل فيما هو داخل إطار الاجتهاد فهؤلاء لايزال بينهم وبين الرسوخ في العلم ورجاحة العقل مسافة كبيرة، أو أولئك الذين ينظرون إلى رأيك نظرة متجاهل أو متغافل فإنما دفعهم إلى ذلك ضيق مساحة التفكير في عقولهم وقصر نظرتهم لأنهم لا يدركون أن نقد الرأي هو الذي يعطي الفكرة المدى الواسع تتحرك فيه بحرية، ويزيدها قوة ورسوخا، ويمنحها حيوية به تبقى حية تنمو وتتطور من نقد إلى آخر؛ فينجبر ما فيها من نقص ويتضح مافيها من غموض ويفصل المجمل منها ويظهر الخيط الفاصل بين الحقيقة فيها والمجاز.

و النقد هو الذي يولد الأفكار، فالأفكار سلسلة متصلة ببعضها؛ حلقة الوصل بينها هو النقد،

كما يتضح ذلك في ترجمة محمد بن عبد الله بن عبد الحكم في سير أعلام النبلاء يقول الإمام الذهبي: ((قلت: له تصانيف كثيرة، منها: كتاب في الرد على الشافعي،وكتاب (أحكام القرآن) وكتاب (الرد على فقهاء العراق) وغير ذلك، ومازال العلماء قديما وحديثا يرد بعضهم على بعض في البحث والتواليف وبمثل ذلك يتفقه العالم وتتبرهن له المشكلات))

انظر- يارعاك الله – إلى قوله: (وبمثل ذلك يتفقه العالم وتتبرهن له المشكلات)

كذلك كان سلفنا الصالح – يرحمهم الله – يتعاملون مع الخلاف في الرأي مما أتاح لهم صناعة نهضة علمية لم تكن في أمة من قبل، ولم يتوقفوا عند هذا الأمر بل لقد كان كل واحد منهم يستدرك على أخيه ما يرى أنه قد فاته، ليس في مجرد آراء فقهية ولكن فيما هو أشد من ذلك.

فانظر إلى الإمام الحاكم وهو يعلم علم اليقين منزلة الجامع الصحيح للبخاري بين علماء الأمة وكيف أن الأمة تلقته بالقبول؛ والأمر نفسه مع صحيح الإمام مسلم -رحمهم الله جميعا- لم يمنعه ذلك أن يكتب مؤلفه الشهير (المستدرك على الصحيحين)!!!

يا ألله .. يستدرك على الصحيحين ... !!!!

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير