تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[موقفين من مواقف عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ]

ـ[أبوبكر الذيب]ــــــــ[25 - Mar-2010, مساء 02:54]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم ..

الحمد لله الذي رفع أهل الإيمان والعلم درجاتٍ على كثيرٍ ممن خلق، ومنَّ بإرادة الخيرية والاصطفاء لمن في دينه فقه، ثمّ خصّ بالقرب وأعالي الجنان مَنْ منهم صدقَ وإليه سبق، والصلاة والسلام على سيد الفقهاء والفصحاء أكرم مَنْ خطب وبالتوحيد نطق، وعلى آله وصحبه ومَنْ تبعهم بإحسانٍ واقتفى الأثر ولحق ..

وبعدُ:

فمما لا يخفى على أدنى طالب علمٍ قول الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ (مَنْ يُرد الله به خيرًا يُفقه في الدين)، ولقد تبوَّأ صحابة النبي ذروة سنام الفقه في الدين في هذه الأمة الميمونة الخاتمة؛ فهُم الذين اختارهم الله لصحبه نبيه وإقامة دينه ..

وبهذه الكلمات اليسيرة القليلة، حاولت التجلية عن بعض فقه الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ وإظهار بعضٍ مِنْ عِظَمِ شأنه وعلو كعبه، وتصدّره لطالعة فقهاء هذه الأمة؛ فإنه ـ رضي الله عنه ـ مِنْ أفقه الصحابة، وقد عدّه السيوطي ـ رحمه الله ـ أفقه الصحابة بعد الخلفاء الراشدين ..

وليس هذا بغريب ولا عجيب؛ فقد قال فيه الحبيب: {إنك غليم معلم} ..

وقال له: {إذنك على أن ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك} ..

وكان صاحب النعلين، قال فيه أبو موسى الأشعري: كنا نحسبه من آل البيت ..

ويظهر فضل هذا الصحابي الجليل بتوصية الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ للأمة بأن تقتفي أثر عبد الله بن مسعود؛ فقد صح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ[فيما رواه الإمام أحمد والحاكم وغيرهما]، أنه قال: «تمسكوا بعهد ابن أم عبد».

يعني: إذا عهد إليكم عهدًا فتمسكوا به ..

وإنما أردتُ بهذا الموضوع عرض موقفين مِنْ مواقف عبد الله بن مسعود، قد وقعا ونزلا في النفس منزلاً عظيمًا؛ لما فيهما من فقه نفسه ـ رضي الله عنه ـ:

1.قال ابن مسعود رضي الله عنه: (والذي لا إله غيره ما نزلت أية من كتاب إلا وأنا أعلم فيمن نزلت و أين نزلت ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته)

[أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما] ..

قال النووي رحمه الله:

وَفِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز ذِكْر الْإِنْسَان نَفْسه بِالْفَضِيلَةِ وَالْعِلْم وَنَحْوه لِلْحَاجَةِ، وَأَمَّا النَّهْي عَنْ تَزْكِيَة النَّفْس فَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ زَكَّاهَا وَمَدَحَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ، بَلْ لِلْفَخْرِ وَالْإِعْجَاب، وَقَدْ كَثُرَتْ تَزْكِيَة النَّفْس مِنْ الْأَمَاثِل عِنْد الْحَاجَة كَدَفْعِ شَرٍّ عَنْهُ بِذَلِكَ، أَوْ تَحْصِيل مَصْلَحَة لِلنَّاسِ، أَوْ تَرْغِيب فِي أَخْذ الْعِلْم عَنْهُ، أَوْ نَحْو ذَلِكَ. فَمِنْ الْمَصْلَحَةِ قَوْل يُوسُف صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اِجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} وَمِنْ دَفْع الشَّرّ قَوْل عُثْمَان رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فِي وَقْت حِصَاره أَنَّهُ جَهَّزَ جَيْش الْعُسْرَة، وَحَفَرَ بِئْر رُومَة. وَمِنْ التَّرْغِيب قَوْل اِبْن مَسْعُود هَذَا، وَقَوْل سَهْل بْن سَعْد: مَا بَقِيَ أَحَد أَعْلَم بِذَلِكَ مِنِّي، وَقَوْل غَيْره: عَلَى الْخَبِير سَقَطْت، وَأَشْبَاهه. وَفِيهِ اِسْتِحْبَاب الرِّحْلَة فِي طَلَبِ الْعِلْمِ، وَالذَّهَاب إِلَى الْفُضَلَاء حَيْثُ كَانُوا. وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَة لَمْ يُنْكِرُوا قَوْل اِبْن مَسْعُود أَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ، وَالْمُرَاد أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّه كَمَا صَرَّحَ بِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَم مِنْ أَبِي بَكْر وَعُمَر وَعُثْمَان وَعَلِيّ وَغَيْرهمْ بِالسُّنَّةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَفْضَل مِنْهُمْ عِنْد اللَّه تَعَالَى، فَقَدْ يَكُونُ وَاحِد أَعْلَم مِنْ آخَر بِبَابٍ مِنْ الْعِلْم، أَوْ بِنَوْعٍ، وَالْآخَرُ أَعْلَم مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَة. وَقَدْ يَكُون وَاحِد أَعْلَم مِنْ آخَر، وَذَاكَ أَفْضَل عِنْد اللَّه بِزِيَادَةِ تَقْوَاهُ وَخَشْيَتِهِ وَوَرَعِهِ، وَزُهْدِهِ وَطَهَارَةِ قَلْبِهِ، وَغَيْر ذَلِكَ. وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخُلَفَاء الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَة كُلّ

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير