كلمة شهريّة للشّيخ فركوس: "الانحراف الفاحش عن قبلة المسلمين بين الإنصاف والتَّعنُّت".
ـ[محمد عبد العزيز الجزائري]ــــــــ[26 - Mar-2010, صباحاً 12:29]ـ
http://www.ferkous.com/image/gif/M.gif
الانحراف الفاحش عن قبلة المسلمين ( http://www.ferkous.com/rep/M48.php)
بين الإنصاف والتعنت ( http://www.ferkous.com/rep/M48.php)
الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على من أرسله اللهُ رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدِّين، أمَّا بعد:
فالمساجدُ خير بقاع الأرض، و «أَحَبُّ البِلاَدِ إِلَى اللهِ» (1)، كما ثبت في الحديث، فهي بيوت الله يفرد فيها سبحانه بالعبادة، قال تعالى: ?وَأَنَّ المَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا? [الجن: 18]، وهي تحقِّق للمؤمن هذه الغايةَ العظيمةَ من إخلاص العبادة لله تعالى وتوحيده، قال تعالى: ?وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ? (2) [الذاريات: 56]، وقال تعالى: ?وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهًا وَاحِدًا? [التوبة: 31].
لذلك كانت المساجد مجامعَ الأُمَّة في الصلوات والجُمع والأعياد والكسوفِ والتراويح وبقيةِ السنن والنوافل، وملتقى الأئمَّة، ومدارسَ علمٍ تَخَرَّجَ منها العلماء والقادة من السلف الصالح، فالحاصل: أنَّ المسجد في القرون المفضَّلة قد أدَّى رسالتَه الإيمانيةَ على أكمل وجهٍ وأتمِّ قيامٍ، فكان المسجدُ محلاًّ للصلاة والدعوة إلى الله ونشر العلم والدِّين، ومنبرًا للوعظ والإرشاد، ودارًا للفتوى، ومحكمةً للقضاء، ورباطًا يأوي إليه أهل الاحتياج، ومنطلقًا لجيوش الفتح، وأغلب شؤون المسلمين كانت من وظائف المسجد، والمساجد تتفاضل بحَسَب ما جعل الله لبعضها من مَنْزِلةٍ ومكانةٍ، كما هو الشأن بالنسبة للمساجد الثلاثة (المسجد الحرام، والمسجد النبوي، ومسجد الأقصى)، أو بحسب إشعاعه الإيماني والعلمي والتربوي المتولد عن مجالس الذِّكر وقراءة القرآن والاجتماعِ لتدارسه، وتلقي الدروس والمواعظ فيه، وتحصيل فضل حلقات العلم ومجالس الإيمان، وقد أثنى الله تعالى على عُمَّار بيوت الله بقوله سبحانه: ?إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ مَنْ آمَنَ باللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللهَ فَعَسَى أُوْلَئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِينَ? [التوبة: 18].
فهذه الرسالةُ الإيمانيةُ الجليلةُ في عمارة المسجد منبثقة من خصائص الإسلام ومثاليته وواقعيته، الذي برأه الله عز وجل من الثنائيات التي شقي بها غير المسلمين، فانتفى فيها الصراع بين الدين والدنيا، الأمر الذي يملأ قلب المؤمن عزًّا بالإسلام ويكسر قلوب أعداء الله تعالى.
غير أنَّ الناظر المتأمِّل في أحوال مساجد بلادنا يدرك في -جملة واقعها- انحسار رسالة المسجد الإيمانية وتحويل وجهتها بل وغاياتها في العبودية الخالصة، كما هو حال بعض المعابد. وغياب الأخوة الإيمانية الصادقة نتيجة الصراع الفكري والعقدي والدعوي فلا يلتقي في المسجد الواحد أهل الأهواء والفرقة مع أهل الاجتماع والاتباع على حب الله وطاعته بما أمر وزجر، والتعاون على البر والتقوى، فَهُم في حقيقة الأمر إخوان العلانية أعداء السريرة.
وبسبب حلول الحمية الجاهلية والحزبية الممقوتة محلَّ الأخوة الإيمانية -بالتمكين لها-، وعدم تفهُّمهم لأهمية المسجد ورسالته ظهرت في أهل الفُرقة سمات الأنانية وأبعادها البغيضة من التنافس على ممتلكات المساجد والأوقاف، واستغلالها لحظوظ أهل المصالح الخاصة، وتحويل بعض مرافقها إلى قاعات لتعليم الخياطة والطرز وتعليم الكمبيوتر، كما هو حال بعض المساجد، واتخاذ الدش والمقعرات الهوائية في سكنات الأئمة التابعة للمساجد والأوقاف، وتجميد مجالس العلم والإيمان بإقصاء دعاة التوحيد والإصلاح، وإعادة إحياء محدثات الأمور، وصرف الهمة إلى زخرفة المساجد وتزويقها والتباهي بها، وغير ذلك ممَّا يُعلم أو يخفى على الناس فأماتوا مُعظم مهام المساجد ووظائفه الشاملة .. والله المستعان.
¥