[وقت اذكار المساء؟]
ـ[أم علي طويلبة علم]ــــــــ[28 - Mar-2010, مساء 10:29]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
ارجوا إفادتي بالقول الراجح اذكار المساء تقال بعد صلاة العصر أم المغرب؟؟
جزاكم الله خيرا .......
ـ[الطيب صياد]ــــــــ[28 - Mar-2010, مساء 11:10]ـ
سئل شيخنا أبو عبد المعز العاصمي - حفظه الله تعالى - عن وقت المساء، قال السائل:
جاء في صحيح البخاري عَنِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى رضى الله عنه قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وآله وسلم فِي سَفَرٍ، فَصَامَ حَتَّى أَمْسَى، قَالَ لِرَجُلٍ: «انْزِلْ، فَاجْدَحْ لِي» قَالَ: «لَوِ انْتَظَرْتَ حَتَّى تُمْسِيَ» قَالَ: «انْزِلْ، فَاجْدَحْ لِي، إِذَا رَأَيْتَ اللَّيْلَ قَدْ أَقْبَلَ مِنْ هَا هُنَا فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ» (1). فهل يصح الاستدلال بقوله: «لَوِ انْتَظَرْتَ حَتَّى تُمْسِيَ» على أن المساء شرعا يَبْدَأ حين يُفْطر الصائِم أي: بعد المغرب، وبالتالي فيُجعل هذا الوقت وقتا لأذكار المساء؟ وهل يصح استخلاصُ الأحكامِ والفوائدِ الظاهرة من الأحاديث النبوية من غير أن نقف على من قال بها من السلف؟ وجزاكم الله خيرًا.
فأجابه شيخنا بما يلي: (فتاوى الحديث و علومه تحت رقم: 938)
الحديث إنما ورد بيانا لوقت فطر الصائم، واستحباب تعجيله في الفطر، اكتفاء بتحقيق الغروب، وذلك بمغيب قرص الشمس وإن بقي ضوء الشمس ساطعا، فكان فيه أن الأمر الشرعي أبلغ وأولى من الأمر الحسي، وأن العقل لا يقضي على الشرع بل الحكم للشرع ولا ينافيه العقل. والقول بأنّ في الحديث المذكور دليلا على أنّ المساء شرعا يبدأ بعد المغرب حين يفطر الصائم مردودٌ، ويظهر بطلانه على الوجه التالي:
- لم يرد من نصوص العلماء ولا من أقوال أئمة اللغة القول بأنّ مبدأ المساء من الغروب إطلاقا، وإنما المساء يطلق-لغة- على ما بعد وقت الظهر إلى الليل، قال ابن منظور: «المساء بعد الظهر إلى صلاة المغرب، وقال بعضهم: إلى نصف الليل» (2) وهو ما عليه مصادر اللغة (3).
ويؤيّد هذا المعنى حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كَانَ النَّبي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُسْأَلُ يَوْمَ النَّحْرِ بمنى فَقَالَ: رَمَيْتُ بَعْدَمَا أَمْسَيْتُ، فَقَالَ: لاَ حَرَجَ» (4) ويفسر ابن حجر معنى المساء بقوله: «أي: بعد دخول المساء، وهو يطلق على ما بعد الزوال إلى أن يشتدَّ الظلام، فلم يتعين لكون الرمي المذكور كان بالليل» (5) ونقل ابن عبد البر وغيره إجماع العلماء على أنّ من رمى جمرة العقبة بعد طلوع الشمس إلى زوالها فقد رماها في وقتها، ولا خلاف في أنّ وقت الضحى هو الأحسن لرميها، وأنّ مَن رماها قبل المغيب فقد رماها في وقتٍ لها وإن لم يكن مستحبا (6)، فالإجماع دلَّ بوضوح على أنّ من أوقات رمي جمرة العقبة الإمساء، وهو من الزوال إلى المغيب، فتبيَّن أنَّ بدء المساء إنَّما هو بعد الزوال لا المغيب، ويبقى المساء إلى آخر النهار، وقد عيّنت رواية البخاري اليوم الذي قال فيه السائل: «رَمَيْتُ بَعْدَ مَا أَمْسَيْتُ» وهو يوم النحر بمنى، فدلَّ على أنّ السؤال وقع في النهار، والرمي بعد الإمساء ووقع في النهار، لأن المساء يطلق على ما بعد وقت الظهر إلى الليل كما قرّره أهل العلم (7)
وحديث الصيام لا يخرج عن هذا المعنى، فإن قول الراوي: «فَصَامَ حَتَّى أَمْسَى» أي دخل المساء وهو يطلق على ما بعد الزوال حتى آخر النهار على مذهب الجمهور أو منه إلى منتصف الليل -كما تقدم- فقوله: «لَو انْتَظَرْتَ حَتَّى تُمْسِيَ» أي: حتى يشتدّ الظلام، وهو آخر المساء وهذا ظن من الصحابي أنّ الفطر لا يحلّ إلاّ بعد ذلك، لما رأى ضوء الشمس ساطعا، وإن كان جرمها غائبا ويؤيده قوله: «إِنّ عَلَيْكَ نَهَارًا» (8) وهو معنى «لَوْ أَمْسَيْتَ» في رواية أحمد، أي تأخرت حتى يشتد المساء وهو آخر النهار.
وهذا الحديث مطابق لمعنى الآية في قوله تعالى: ? ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ? [البقرة: 187] إذ المعلوم أنّ «إلى» ابتداءها- في اللغة- داخل في المغيّا، أما انتهاؤها فلا يدخل فيه، مثل ما لو قال: «له من درهم إلى عشرة» لزمه تسعة على الصحيح، لدخول الأول وعدم دخول العاشر، فظهر أن الليل لا يدخل في الصيام كما أن المساء يمتد إلى آخر النهار، فتحقق- والنتيجة هذه- بطلان قول بدء المساء من بعد المغرب وشذوذه لمخالفته للنص والإجماع واللغة.
.اهـ
ــــــــــــــــــــــــــــــ
1 - أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب الصوم، باب تَعْجِيلِ الإِفطار: (1857)، ومسلم في «صحيحه» كتاب الصيام، باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار: (2559)، من حديث عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه. 2 - «لسان العرب» لابن منظور: 15/ 280.
3 - «العين» للفراهيدي: 7/ 323. «المصباح المنير» للفتوحي: 2/ 547. «المغرب» للمطرزي: 2/ 268.
4 - أخرجه البخاري في «صحيحه» كتاب الحج، باب الذبح قبل الحلق: (1636)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
5 - «فتح الباري» لابن حجر: 3/ 569.
6 - انظر: «التمهيد» لابن عبد البر: 7/ 263. «بداية المجتهد» لابن رشد: 1/ 350. «المغني» لابن قدامة: 3/ 428 - 429.
7 - انظر: «أضواء البيان» للشنقيطي: 5/ 283.
8 - أخرجه البخاري في «الصوم» باب متى يحل فطر الصائم: (1854)، ومسلم في «صحيحه» كتاب الصيام، باب بيان وقت انقضاء الصوم وخروج النهار: (2560)، من حديث عبد الله بن أوفى رضي الله عنه.
¥