[وبشر الصابرين - للشيخ نجيب جلواح الجزائري حفظه الله]
ـ[ابو اميمة محمد]ــــــــ[31 - Mar-2010, صباحاً 10:48]ـ
وبشر الصابرين - للشيخ نجيب جلواح
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد:
فلقد حض ربنا تعالى الخلق ـ في آيات قرآنية كثيرة ـ كما حث رسولنا صلى الله عليه وسلم العباد ـ في أحاديث نبوية صحيحة ـ على التحلي بالأخلاق الحسنة والتخلق بالخصال النبيلة، ورتب ـ تعالى ـ على ذلك ثوابا، وجزاء كبيرا، ألا وهو الفوز بالجنة ـ دار الأبرار ـ وقد أشاد الله تعالى بتلك الأخلاق ـ في كتابه العزيز ـ ورغّب نبيه صلى الله عليه وسلم في خلال حسنة كثيرة.
وفي هذه المحاولة المتواضعة، نحاول أن نسلط الضوء على خلق من تلك الأخلاق السامية، ألا وهو خلق: «الصبر» ولنبدأ ـ أولا ـ بتعريفه:
معنى الصبر:
لغة: الصبر ـ في الأصل ـ الحبس المادي، والمنع.
اصطلاحا: الصبر ـ في المعنى المعنوي ـ حبس النفس على طاعة الله تعالى ـ على ما يقتضيه الشرع ـ وكفها عن المعاصي، والرضى بقضاء الله وقدره، والصبر: حبس النفس عن التسخط، وحبس اللسان عن التشكي، وحبس الجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ... إلخ.
تحدث القرآن الكريم عن أخلاق كثيرة، وتفاوت ذكر ذلك ـ حسب أهميتها ـ ومن أجل تلك الخلال الرفيعة: خلق «الصبر» الذي هو أعظم أخلاق ديننا، بل إن أغلب خصال الخير مردها إليه؛ وبرهان ذلك: أن هذه الكلمة المباركة كررت ـ بمشتقاتها ـ في كتاب ربنا تعالى: أكثر من مائة مرة، مما يدل على أهميته، وعلو مكانته، لذا رتب الله على خلق «الصبر» كل خير ـ في الدنيا والآخرة ـ و «إن الله ـ سبحانه ـ جعل الصبر جوادا لا يكبو، وجندا غالبا لا يهزم، وحصنا حصينا لا يهدم ولا يلثم، فهو والنصر أخوان شقيقان» [«عدة الصابرين» لابن القيم (ص6)].
ولما كان الصبر عظيما، علق الله فلاح المسلمين به، ودخولهم إلى الجنة، فقال تعالى: ?وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا? [الإنسان: 12]، وقال سبحانه: ?وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ? [الرعد: 23 ـ 24]، وقال عزَّ من قائل: ?أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلاَمًا? [الفرقان: 75].
وللصبر فضائل كثيرة ـ بالإضافة إلى ما ذكر ـ منها:
ـ أنه خير ما رزق العبد؛ قال تعالى: ?وَأَن تَصْبِرُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ? [النساء: 25] وقال أيضا: ?وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ? [النحل: 126]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَا رُزِقَ عَبْدٌ خَيْرًا لَهُ، وَلاَ أَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ» رواه الحاكم عن أبي هريرة [«صحيح الجامع» (5626) و «السلسلة الصحيحة» (448)].
ـ استحقاق الصابر لمعية الله تعالى، قال سبحانه: ?وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ? [الأنفال: 46].
ـ محبة الله تعالى للصابرين، قال سبحانه: ?وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ? [آل عمران: 146].
ـ ثناء الله تعالى على الصابرين، قال تعالى: ?وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُون? [البقرة: 177].
ـ استحقاق الصابرين للأجر العظيم والثواب الكبير، قال تعالى: ?وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُواْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ? [النحل: 96]، وقال سبحانه: ?إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ? [الزمر: 10].
ـ للصابرين البشرى ـ في الدارين ـ قال تعالى: ?وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ? [البقرة: 155].
ـ صلوات الله تعالى على الصابرين، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال تعالى: ?الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ? [البقرة: 156 ـ 157].
¥