تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

(أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) وخطرها على الدعاة والداعيات

ـ[مسلم طالب العفو]ــــــــ[21 - Apr-2010, مساء 02:48]ـ

كتبه/ محمد القاضي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

فالحسد والكبر مرضان قلبيان خبيثان حذر منهما الشارع الحكيم، وبين خطرهما على المسلمين عموما وعلى الدعاة خصوصا، وأن هذين المرضين مرضان إبليسيان نسبة إلى "إبليس" فهو أول من فعل ذلك، وقد قص الله علينا في محكم التنزيل ما فعله إبليس عندما أمر الله الملائكة بالسجود لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى أن يسجد لآدم حسدا له وتكبرا عليه.

قال قتادة -رحمه الله-: "إن هذا السجود كان كرامة كرم الله بها آدم، ولكن إبليس حسد آدم على هذا التكريم، فحمله هذا الحسد على الاستكبار والفسوق على أمر ربه".

قال الإمام الرازي: "إن إبليس وقع فيما وقع فيه بسبب الحسد والكبر، ولهذا جاء التحذير من الكبر، والوعيد للمتكبرين، قال (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كبر) رواه أبو داود والترمذي، وصححه الألباني، وفي كتاب الله العزيز آيات كثيرة تذم الكبر والمتكبرين، وتبين سوء عاقبتهم يوم الدين.

فحقيقة الكبر: بطر الحق وغمط الناس، كما جاء في الحديث النبوي الشريف، وبطر الحق رده ودفعه، وعدم الخضوع له وعدم الانقياد له استخفافا به وترفعا عليه، وعنادا له. وغمط الناس أو غمصهم: احتقارهم والازدراء بهم".

وهذا المرض الشيطاني الذي يصيب صاحبه بداء الترفع على الناس أو رد ما معهم من الحق لأجل أنهم في نظره أقل منه في المستوى العلمي أو المادي أو الاجتماعي أو .. هذا الداء الذي يدفع صاحبه إلى رفض أوامر الله بجحد فرائضه أو استحلال ما حرمه الله والتمرد على شرعه، فإبليس احتج بذلك عندما أبى أن يسجد لآدم -عليه السلام-، احتج بشرف عنصره وأنه خلق من نار فكيف يسجد لآدم وقد خلق من طين فقال: (أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا) (الإسراء:61)، وقال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) (الأعراف:12).

فتأمل أخي الحبيب في هذه الكلمة الخبيثة الشيطانية: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)، وتأمل في أحوال الناس من حولك تجد مظاهر الكبر والغرور طافحة، فهذا يتكبر بماله، وهذا بمنصبه وذا بقبيلته وعنصره، والرابع بعلمه وثقافته وفلسفته، الكل لسان حاله ينطق بهذه الكلمة الخبيثة (أنا خير منه)، بل من الناس من ينطق بها صراحة بلا مواربة ولا حياء.

بل هناك ما هو أخطر من هذا كله أن تجد مدلول هذه الكلمة الخبيثة داخل الصف الإسلامي، وفي جماعات العمل الدعوي المعاصرة، وقد لا أكون مبالغا إذا قلت: إن معظم ما يحدث بين الجماعات الإسلامية من تناحر أو بغضاء أو تباعد سببه الحسد والكبر، وإن معظم ما يحدث بين أبناء المنهج الواحد من انشقاقات، وراءها اتهامات متبادلة وترك للعمل الدعوي سببه الحسد والكبر.

فهذه الكلمة: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ) كثيرا ما نسمعها أو نرى أثرها في سلوكيات كثير ممن ينتسب إلى الدعوة إلى الله وإلى طائفة الدعاة.

فالذي يرى الخيرية والأفضلية لنفسه ينظر إلى الآخرين من خلال النظرة المرضية، فتراه دائما معترضا على إخوانه وعلى إناطة العمل بغيره، خصوصا إذا كان في ذلك تقديم لذلك الغير عليه في العمل، فإنه من منطلق هذه الخيرية هو أولى بهذا العمل فهو الأحفظ والأقرأ والأعلم والأجدر والأنسب لكل عمل من الأعمال، وتتحول الدعوة إلى وظائف أقرب إلى الوظائف الحكومية يبحث كل واحد عن الترقي في الوظيفة الدعوية.

وليست القضية هي خدمة الدين والبذل للإسلام وتحمل التكليف الذي يناط به، وسد الثغرات التي توجد في العمل الإسلامي أيا كان موقعه في صفوف العاملين للإسلام ولا ننسى أن نُذكِّر في هذا المقام بحديث النبي]-: (تعس عبد الدينار، وعبد الدرهم، وعبد الخميصة، إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع) رواه البخاري.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير