تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الاستعانة بالله نعيم القلب]

ـ[مسلم طالب العفو]ــــــــ[22 - Apr-2010, مساء 02:38]ـ

كتبه/دكتور ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

أمر هام ينبغي أن نتفكر فيه، هل الذي جعله الله -سبحانه وتعالى- ينصر الدين في وسط إشراقه وانتصاره أفضل، أمّن جعله الله -سبحانه وتعالى- ينصر الدين في وسط إظلام الدنيا وإدبارها وابتعاد الناس عن الدين؟؟ لماذا سبق السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار؟ لأنهم التزموا حينما كانت الدنيا ظلاماً. لأنهم التزموا حينما كان أكثر أهل الأرض ليسوا على الإيمان ولا يعمل أحد لأجل إعلاء كلمة الله في الأرض، وإنما بقي على دين الأنبياء قلة، لكنها اكتفت أن تعبد الله في الصوامع والبيع.

انظر ... شرف عظيم للسابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، لأنهم سبقوا إلى الله في الدلجة، عندما كانت الدنيا مظلمة، فسبقهم لا يصل إليه أحد، لأن الله -سبحانه وتعالى- جعلهم هم على الإسلام في وقت كانت الأرض فيه كلها ظلام، وكل من شابههم في جزء من صفاتهم كان له نصيب من ثوابهم.

فعندما يتسمى الناس بالإسلام -والحمد لله على ذلك- دون أن يعمل به أكثرهم أو من أجله، ثم يجعلك الله -سبحانه وتعالى- تلتزم به وتدعو إليه في هذه الظروف، فذلك لأن الله ـسبحانه وتعالى- اجتباك لذلك واصطفاك وشرفك بأن تعمل للدين في أحلك الظروف، فإذا شاهدت قضاء الله وقدره وشهدت منته وفضله لم تعجب بنفسك، ولم تصب بالكبر والغرور، ولم تنسب الفضل إلى نفس جاهلة ظالمة، بل إن الله -سبحانه وتعالى- هو الذي منَّ عليك بالإسلام والإيمان، إن كنت صادقاً فلا تمنّ على أحد بطاعتك وعملك وإسلامك (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17).

فإذا شهدت قضاء الله وقدره فيمن يخالف الإسلام، وشهدت قضاء الله وقدره فيمن يطيع الله -سبحانه وتعالى-، وتعبدت الله بمقتضى ذلك من شهود فضله وشهود ملكه، وأنه -سبحانه وتعالى- هو الذي بيده الأمر كله، وله الحمد كله وبيده الخير كله -سبحانه وتعالى-، وإذا علمت أن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وشهدت ذلك شكرت نعمة الله -سبحانه وتعالى- عليك.

ثم هذا الشهود لقضاء الله وقدره وملكه وسلطانه وربوبيته هو الذي يجعلك تنتقل إلى مشهد الاستعانة، حيث طلب العون من الله وحده لا شريك له، وهو من أشرف المقامات في مراتب العبودية، وهى إحدى العبادات، ولكن ذكرت هذه العبادة مؤكدة بعد دخولها في عموم (إِيَّاكَ نَعْبُدُ) فأمرنا الله -سبحانه وتعالى- أن نقول: (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) مع أن الاستعانة عبادة لله -سبحانه وتعالى-؛ لأنه بدونها لا تتم العبادة، لأنه بدون الاستعانة بالله وبدون توفيقه لا تكون العبودية له -سبحانه-، استعينوا بالله ... ومن أين تحصل هذه الاستعانة؟ من شهود أن الأمر بيد الله، وأن الملك ملكه، وأن الخلق كلهم نواصيهم بيده.

اسمع إلى قول المستعين حقاً بالله -سبحانه وتعالى- من أنبياء الله -عز وجل- وكيف كان موقفهم ممن يمكرون بهم؟ اسمع إلى قول الله -عز وجل- عن نوح -عليه السلام- فيما ذكر عنه فيما قال لقومه أنه قال: (يَا قَوْمِ إِنْ كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآَيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ) (يونس:71)، لا يقول لهم: كفوا عنى أو ابتعدوا عنى، ولا تؤذوني، وإنما يقول لهم: اجمعوا كل ما عندكم أنتم وشركاؤكم وكيدوني بكل ما تقدرون عليه من كيد ولا تؤخروني لحظة، فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن عليكم أمركم غمة، لا تترددوا (ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنْظِرُونِ) لأنه توكل على الله -عز وجل، سبحانه وتعالى-.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير