(ميراث الصَّمت والملَكوت) لعبدالله الهدلق، هل يعجز أحدكم أن يكون مثل هذا؟!
ـ[الجسور]ــــــــ[11 - Jul-2010, مساء 11:02]ـ
ميراث الصَّمت والملكوت
هل يعجز أحدُكم أن يكون مثلَ هذا؟!
كُلَّما أَخَذَكَ العَجَبُ مِن بعضِ أدعياءِ المعرفةِ ومتثيقفِةِ العَصْر، وهم في كل واد يَهيمون، وإلى كُلِّ مسألةٍ يُهْطِعون –كثير مِمَّا يكتبه هؤلاء هو مقدماتٌ لأفكارٍ لم تنضجْ وخواطرُ عابرةٌ، أملاها عفوُ الخاطر وطرفُ القلم- أقولُ: كُلَّما أخذكَ العجبُ منهم ومن تهالُكِهِم على البَتِّ في كلِّ القضايا؛ أَجِلْ بَصَرك الواهنَ كرَّتين فلن تخطئَ عينُك لونا زاهيا بين الألوانِ الباهِتَة، ولن تفقد "نغمةً شَجيَّةً" بين الأصوات المتشابِكة؛ سيلوحُ لك قلمٌ يبلغُ منك دونَ ضَجيج، ويذهبُ ويجيءُ في مختلف القضايا دون أن يتورطَ في لغةٍ فُسطاطية، ودون أن تعلق "قدمه" في فخ أفعال الأمر، على حَدِّ: (عندما تصرخ في أذني لا أسمعك جَيِّدا)؛ بلُغَةٍ محلِّقة وثقافةٍ عاليةٍ وروحٍٍ شفافةٍ؛ يقفزُ الكاتب القدير عبدالله الهدلق في كتابِهِ الجديد (ميراث الصَّمت والملكوت) -الصادر هذا السنة 1431هـ-، بين حقولِ المعرفةِ المختلفَةِ، ويَتَنَقَّلُ في رياضِهَا النَّضِرة، وفي (مائة وثمانين صفحة) يتسلل فيها إليك الإعجاب إزاء قامته السَّامقة وعباراته الشائقة، ويستحوذُ عليك ما يُشبه الطمأنينة بوجود مُثَقَّفٍ حقيقي؛ بوجود رجلٍ في عامِهِ الحادي والعشرين (دخل المكتبة وأغلق باب الدنيا وراءه)، ليس من هؤلاءِ المتشوِّفينَ للنِّزالِ، المصطرعين على الفتاتِ، ودلالة العنوان (ميراث الصمت والملكوت) أبلغُ من كلِّ ما يقال عنه؛ فما بين دفَّتي الكتابِ "كلامٌ" وَرِثَهُ الهدلقُ عن "الصَّمت"، و"ميراثٌ" قَسَمَه على قُرَّائِهِ؛ ستصلك من بين سطورِ الكِتاب رسالةً -غير مباشرةٍ- عَبَّرَ عن مضمونِها في المقدِّمة: (قد كان من أسمى مقاصدي .. أن أكشف لكثير من القراء عما لمنهج التفكير، والتنوع المعرفي، والبيان والوضيء؛ من أثر بالغٍ على بنية العقل، ونوع الخطاب .. ). وحتما سيقف قارئ الهدلق على أشباه هذا الإمتاع: (ذهبت أرود المكتبات لا أعرف أكثر هذا الذي على رفوفها، وكنت أتألَّمُ لألمِ الجهل، ما زلتُ أذكرُ حيرَتي يوما وقفتُ فيه عند عنوان غريبٍ على الرَّف: ما هذا؟ ما معناه؟ وبكيت .. لم يكن ثمة أحد يُعَلِّمُني .. )،
ولم يَكُن يوما مُتَكَثِّرا بغيرِ ما يملك، كان وقفَ على المظانِّ العالية، ومكثَ سنواتٍ يخصفُ على نفسِهِ من ورقِ المعرفة، حتى (أحس طعم الروح المر رويدا رويدا مع أنفاسه القديمة فيرتعش لخفق الروح الجديد بين الموت والحياة)،
وفي كتابِهِ هذا تَقِفُ على قاماتٍ شامِخةٍ، من نحو "حمد الجاسر" و"بكر أبو زيد" إلى جوار عبدالوهاب المسيري" و"أبي عبد الرحمن بن عقيل"، وقبلَهم تأملاتٌ في شخصيةِ ابنِ تيميةَ الذي أحبَّه الهدلق، وقال عنه: (إنه ليمرُّ بي اسم العالم والعالم فلا أكاد آبه .. ثم يمر ذكر ابن تيمية فيأخذني شيء لا أكاد أتبين مأتاه .. )،
إلى "ثنتي عشرة فقرة فيها ابن دقيق العيد وكافكا وفتيات بسمارك"، إلى حديث ماتع عن "هتلر"،
إلى تعليقٍ عابرٍ عن "الشعور بالنقص الحضاري" في كثيرٍ كثير .. ،
وستقفُ على أطوارٍ من نموِّ قلمه، فهنا مقالةٌ قال فيها: (أنا فتى غرير أدرج في خطوات واسعة نحو السادسة والعشرين من سني حياتي .. )، ولن تخطئَ عينُكَ موهبة القلم التي شَبَّتْ مع الهدلقِ من بداياتِه، لكنه لم يصمدْ إليها، ففي كتابه يسوق كلمة جيته: (ما ورثته عن والديك حاول أن تكتسبه من جديد إذا أردت أن تمتلكه .. ).
هذا الكاتبُ الموهوبُ، رغمَ قراءاته المتنوعة، واطلاعه الواسع، وصمته الطويل؛ لم يَرِثْ –فيما وَرِثَه- الانهزاميةَ والنكوصَ على العَقِبِ، لم يتنكَّرْ لجِلْدِه، ويجنِّدْ ذاتَهُ لتلقُّطِ عثراتِ مَنهجِنا السَّلفي، تلك المعادلةُ الصَّعبة التي نَجَحَ في حَلِّها أبو أحمد، وأخفقَ فيها المتعالمون، فهل يَعْجِزُ أحدُكم أن يكونَ مثلَ هذا؟!
ـ[أبو زيد المدني]ــــــــ[12 - Jul-2010, صباحاً 09:23]ـ
أجدت وأفدت أيها الجسور في وصف أسلوب الشيخ وقلمه.
نعم , أنا قرأت لأدباء ومفكرين كثيرين، لكن وجدت نفسي عند مقالات الشيخ عبدالله أني أتشوق لها بين الفينة والأخرى، وأشعر بلذة عجيبة وأنا أقراها.
ومقالات الشيخ تتميز بأسوب ساحر أخاذ، يتخللها فوائد ولطائف يطرب لها القارئ من أنفس الفوائد.
والشكر لك أيها الجسور على هذا العرض الشيق، وهذا القلم السيال والبيان المشرق.
همسة في أذن الجسور " لم تخفي عنا هذا القلم المبدع، فنحن في هذا المجلس بشوق كبير لمقالاتك، فلا تبخل علينا "
ـ[عبدالله العلي]ــــــــ[12 - Jul-2010, مساء 12:08]ـ
رائع أيها الجسور
¥