تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[(معاملة العالم إذا أخطأ) الدكتور إبراهيم الرحيلي حفظه الله.]

ـ[أبوعبيدة الأثري الليبي]ــــــــ[02 - Aug-2010, صباحاً 01:08]ـ

(معاملةالعالم إذا أخطأ)

معاملةالعالم إذا أخطأ:

اعلموا رحمكم الله أنه لا يحكم على أحد من علماء أهل السنة ونظارهم أو حكامهم بأنه مبتدع أو خارج عن أهل السنة والجماعة، بسبب خطئه في الاجتهاد سواء كان ذلك الاجتهاد في مسألة من مسائل العقيدة والتوحيد، أو في مسائل الحلال والحرام مما كثر فيه الاختلاف بين علماء الأمة؛ لأنه إنما قصد الحق وطلبه، وهذا الذي أداه إليه اجتهاده، فهو معذور في ذلك بل مأجور على اجتهاده، فكيف يقال بتبديعه أو تفسيقه.

وهذه المسألة من المسائل العظيمة التي يقررها أهل السنة ولم يخالف فيها أحد من علماء المسلمين المعتد بأقوالهم، وإنما خالف فيها أهل البدع، من الخوارج، والمعتزلة، ومن تأثر أو انخدع بأقوالهم من عوام المسلمين.

وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال سلف الأمة على هذه المسألة وأن المسلم يعذر بجهله وخطئه ونسيانه، وأنه غير مؤاخذ بكل ذلك، إذا قصد الخير وطلب الحق.

فمن الكتاب قوله تعالى: ((لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ .. )) [البقرة:286].

وقد ثبت في صحيح مسلم أن الله قال: " قد فعلت " (حاشية صحيح مسلم {كتاب الإيمان - باب بيان أن الله سبحانه وتعالى لم يكلف إلا ما يطاق} ج1 ص116 ح:125).

وقال تعالى: ((وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا)) [الأعراف:42].

وقال: ((لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا مَا آتَاهَا)) [الطلاق:7].

وقد أمر الله بتقواه بقدر الاستطاعة فقال: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) [التغابن:16].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فدلت هذه النصوص على أنه لا يكلف نفساً ما تعجز عنه، خلافاً للجهمية المجبرة، ودلت على أنه لا يؤاخذ المخطئ والناسي خلافاً للقدرية والمعتزلة.

وهذا فصل الخطاب في الموضوع، فالمجتهد المستدل من إمام وحاكم وعالم وناظر ومفت وغير ذلك؛ إذا اجتهد واستدل فاتقى الله ما استطاع كان هذا هو الذي كلفه الله إياه، وهو مطيع لله مستحق للثواب إذا اتقاه ما استطاع، ولا يعاقبه الله البتة خلافاً للجهمية المجبرة " (حاشية مجموع الفتاوى [19/ 216 - 217]).

ومن السنة: حديث حذيفة رضي الله عنه فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إن رجلاً حضره الموت لما أيس من الحياة أوصى أهله: إذا مت فاجمعوا لي حطباً كثيراً ثم أوروا ناراً حتى إذا أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فخذوها فاطحنوها فذروني في اليم في يوم حار - أو راح - فجمعه الله فقال: لم فعلت؟ قال خشيتك، فغفر له " (حاشية رواه البخاري {كتاب أحاديث الأنبياء} فتح الباري [6/ 514] ح:3479).

قال الخطابي: " قد يستشكل هذا فيقال كيف يغفر له وهو منكر للبعث والقدرة على إحياء الموتى؟

والجواب: أنه لم ينكر البعث وإنما جهل فظن أنه إذا فُعل به ذلك لا يُعاد فلا يعذب، وقد ظهر إيمانه باعترافه بأنه إنما فعل ذلك من خشية الله " (حاشية فتح الباري [6/ 522]).

ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض حديثه عن قصة هذا الرجل: " فهذا رجل شك في قدرة الله تعالى، وفي إعادته إذا ذري، بل اعتقد أنه لا يعاد. وهذا كفر باتفاق المسلمين، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه، فغفر له بذلك " (حاشية مجموع الفتاوى [3/ 231]).

ومما يدل على العذر بالجهل والخطأ من السنة أيضاً: حديث خال بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ رضي الله عنهما أنها قالت: " جاء النبي صلى الله عليه وسلم يدخل حين بُني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني، فجعلت جويريات لنا يضربن بالدف ويندبن من قُتل من آبائي يوم بدر إذ قالت إحداهن: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال: دعي هذه وقولي بالذي كنت تقولين " (حاشية رواه البخاري في {كتاب النكاح - باب: ضرب الدف في النكاح والوليمة} فتح الباري ج9 ص202 ح:5147).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير