كلمة شهريّة لفضيلة الشيخ الدكتور محمد علي فركوس -حفظه الله-: "في صفة المنبر المشروع".
ـ[محمد عبد العزيز الجزائري]ــــــــ[16 - Oct-2010, صباحاً 12:55]ـ
http://www.ferkous.com/image/newsite/m.gif
في صفة المنبر المشروع ( http://www.ferkous.com/rep/M55.php)
الحمد لله ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على من أرسله الله رحمةً للعالمين، وعلى آله وصحبه وإخوانه إلى يوم الدّين، أما بعد:
فاعلمْ أنّ منبرَ النّبيِّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم –مِنْ حيث صفتُه- كان صغيرًا وقصيرًا ومتواضِعًا، صُنِعَ مِن خشبٍ لا يتعدّى ثلاثَ درجاتٍ، وكان يقف على الدّرجةِ التي تلي المستراحَ (1)، وكان بين موضعِ منبرِه وبين الحائطِ قدْرُ ممرِّ شاةٍ، فلم يكن منبرُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم –مِن جهةِ صفتِه وموضعِه- ليقطعَ صفًّا أو يُبَعِّدَ بين المصلّين أو يُؤْذِيَهم، تَتَحَقَّقُ معه سنّةُ بروزِ الإمامِ في الصّلاةِ والخطبةِ؛ لأنّ رؤيةَ المصلّين له أشدُّ تأثيرًا على النّفسِ وأبلغُ لموعظتِه وتوجيهِه، كما يتحقّق معه أيضًا سنّةُ الاستقبالِ، ويدلّ على ذلك حديثُ أنسِ بنِ مالكٍ رضي اللهُ عنه «أَنَّ رُومِيًّا صَنَعَ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْبَرًا لَهُ دَرَجَتَانِ، وَيَقْعُدُ عَلَى الثَّالِثَةِ» (2)، وحديثُ ابنِ عبّاسٍ رضي اللهُ عنهما قال: «وَكَانَ مِنْبَرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَصِيرًا، إِنَّمَا هُوَ ثَلاَثُ دَرَجَاتٍ» (3)، وحديثُ جريرٍ رضي اللهُ عنه قال: «فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ صَعِدَ مِنْبَرًا صَغِيرًا» (4)، وحديثُ سلمةَ بنِ الأكوعِ رضي اللهُ عنه: «كَانَ بَيْنَ مِنْبَرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الحَائِطِ كَقَدْرِ مَمَرِّ الشَّاةِ» (5).
هذا، ولم يقتصرِ النّبيُّ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم على الوعظِ عليه يومَ الجمعةِ فحسْبُ، بل كان رسولُ اللهِ صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم يستعمل مِنْبرَه وسيلةً للتّعليمِ والإرشادِ وبيانِ الأحكامِ ونصحِ النّاسِ في سائرِ الأيّامِ حالَ اقتضاءِ الحاجةِ على ما هو ثابتٌ في السّننِ، وبقي منبرُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم على هذه الحالِ حتّى بعد عهدِ الخلفاءِ الرّاشدين.
قال النّوويُّ -رحمه الله-: «أجمع العلماءُ على أنّه يُستحبّ كونُ الخطبةِ على منبرٍ للأحاديثِ الصّحيحةِ التي أشرْنا إليها، ولأنّه أبلغُ في الإعلامِ، ولأنّ النّاسَ إذا شاهدوا الخطيبَ كان أبلغَ في وعظِهم» (6).
ثمّ أحدث النّاسُ في صفةِ المنبرِ وشكلِه وموضعِه وعددِ درجاتِه ممّا هو معلومٌ مخالفَتُه للهديِ النّبويِّ، فأقاموا المنابِرَ الطّويلةَ العاليةَ ذاتَ الدّرجاتِ الكثيرةِ التي تقطع الصّفَّ وتحجب الرّؤيةَ عنِ المصلّين وتُؤذيهم، وفي الحديثِ: «كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا» (7).
واتّخذ بعضُهم منبرًا له سقفٌ مرفوعٌ وعليه قبّةٌ شامخةٌ، وله بابٌ يدخل منه الخطيبُ لوحدِه ويُغْلَق مِن وراءِه، وقلّد آخَرون أهْلَ الكتابِ مِنَ اليهودِ والنّصارى في عاداتِهِمُ الدّينيّةِ، فجعلوا منابرَهم محشُوّةً في وسطِ الجدارِ المقابِلِ للمصلّين على هيئةِ شرفةٍ أو نافذةٍ يُطِلُّ منها الخطيبُ على الجميعِ، وهذا –بغضِّ النّظرِ- عما زِيدَ فيه مِنْ بِدَعِ الزّخرفةِ والنّقوشِ وفَرْشِ دَرَجِه والزّيادةِ في عددِها والسّتائرِ والأعلامِ، وغيرِ ذلك مِن أنواعِ مُحْدَثاتِ الأمورِ (8).
أمّا الاحتجاجُ بأنّ منبرَه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم مِنَ الأدواتِ المقترِنَةِ بفعلِه، ولا يلزم مِنَ التّأسّي به في فعلِه الاستعانةُ بأدواتٍ مماثِلةٍ، مثل مسجدِه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم: بُنِيَ مِنْ طينٍ وسعفِ النّخيلِ، ولا يلزم في بناءِ المساجدِ الاستعانةُ بجنسِ الموادِّ المستعمَلةِ، فكذلك منبرُه صلّى اللهُ عليه وآلِه وسلّم، فإنّ الغرضَ مِنِ اعتلائِه في الخُطَبِ هو الإسماعُ، وذلك يكون بالعلوِّ على المكانِ الذي يكون فيه السّامعُ عادةً، فشأنُه كالأذانِ الذي يحتاج إلى موضعٍ مرتفِعٍ ليكونَ أسمعَ، فالغرضُ –إذنْ- مِنِ اتّخاذِ المنبرِ إنّما هو تحقيقُ مصلحةِ الإسماعِ بغضِّ
¥