[العمر .. الثروة المهدرة]
ـ[ابن الزبير]ــــــــ[23 - Dec-2010, صباحاً 09:57]ـ
[العمر .. الثروة المهدرة]
كتبه/ حنفي مصطفى
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإن الله -تعالى- أنعم علينا بنعم عظيمة لا تقدر بثمن؛ فهي أغلى وأنفس من الدنيا وما فيها، فمن هذه النعم العظيمة: نعمة العمر الذي هو الوقت والأيام، والليل والنهار، والدقائق واللحظات؛ فهو من أعظم نعم الله -عز وجل- على العباد.
وهو رأس مال العبد، وهو الثروة النفيسة الغالية التي يمتلكها العبد، ولكن كثيرًا من الناس أهدروها! فما عرفوا قدرها، ولا قيمتها؛ فهي الثروة المهدرة.
ومن عِظم هذه النعمة الغالية والثروة النفيسة أقسم الله -تعالى- بها؛ لبيان أهميتها وقدرها؛ فأقسم الله -تعالى- بالعصر، وبالليل والنهار، والفجر، والضحى؛ فقال الله -تعالى-: (وَالْعَصْرِ. إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ. إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر)، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "العصر هو الزمن".
قال الرازي -رحمه الله-: "أقسم الله بالعصر لما فيه من الأعاجيب؛ ولأن العمر لا يقوم بشيء نفاسة وغلاءً".
وقال الله -تعالى-: (وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى. وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى) (الليل:1 - 2).
وقال -تعالى-: (وَالضُّحَى. وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) (الضحى:1 - 2).
وقال -تعالى-: (وَالْفَجْرِ. وَلَيَالٍ عَشْرٍ) (الفجر:1 - 2).
وقيمة العمر أو الوقت تكمن في أن الله -تعالى- جعله فرصة للإيمان والعمل الصالح، وهما سبب السعادة في الدنيا والآخرة.
قال الله -تعالى-: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا) (الفرقان:62).
قال بعض السلف: "من فاته طاعة الله بالليل كان له من أول النهار مستعتب، ومن فاته طاعة الله بالنهار كان له من أول الليل مستعتب".
ودلت السنة المطهرة كذلك على أهمية العمر الذي هو الزمن، وخطره وقيمته في العمل الصالح والتزود منه ليوم الحساب، وأن التفاضل بين الناس في الخيرية إنما هو باستثمار الأعمار في حسن العمل، وأن العبد يسأل عن عمره الذي هو الهبة الربانية, والنعمة الإلهية، فيسأل العبد يوم القيامة سؤالين عن الزمن: عن عمره فيما أفناه عامة، وعن شبابه فيما أبلاه خاصة.
قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لاَ تَزُولُ قَدَمَا ابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ خَمْسٍ: عَنْ عُمْرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاَهُ، وَمَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَمَاذَا عَمِلَ فِيمَا عَلِمَ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: صحيح لغيره).
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خِيَارُكُمْ أَطْوَلُكُمْ أَعْمَارًا، وَأَحْسَنُكُمْ أَعْمَالا) (رواه أحمد والبزار، وصححه الألباني).
- وعن أبي بكرة -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ). قَالَ: فَأَيُّ النَّاسِ شَرٌّ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).
فالزمن من جملة أصول النعم، فهو: نعمة جليلة ومنحة كبرى، لا يدريها ويستفيد منها كل الفائدة إلا الموفقون الأفذاذ الذين يدرون قدرها وقيمتها، وإلا فإن أكثر الناس مغبونون فيها، يضيعونها ثم يندمون عليها في وقت لا ينفع فيه الندم، والموفق من بذلها في طاعة الله، فكل نفَس من أنفاس العمر جوهرة ثمينة، والسعيد من اشتراها في الخير، والزيادة في الحسنات وفعل الطاعات والصالحات.
عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالْفَرَاغُ) (رواه البخاري). والغبن هو: عدم معرفة قدر الشيء وقيمته ونفاسته، فيبيعه صاحبه بثمن بخس أقل من قيمته بكثير؛ فيخسر قيمته، ويبخس ثمنه.
قال قتادة -رحمه الله-: "اعلموا أن طول العمر حجة".
¥