[خصال يجب تحققها فيمن ينصب نفسه للفتيا لابن القيم]
ـ[ابو محمد الغامدي]ــــــــ[28 - Sep-2007, صباحاً 03:07]ـ
قال الامام ابن القيم رحمه الله
خصال يجب تحققها فيمن ينصب نفسه للفتيا
الفائدة الثالثة والعشرون
: ذكر أبو عبد الله بن بطة في كتابه في الخلع عن الإمام أحمد أنه قال: (لا ينبغي للرجل أن ينصب نفسه للفتيا حتى يكون فيه خمس خصال) , أولها: أن تكون له نية , فإن لم يكن له نية لم يكن عليه نور ولا على كلامه نور.
والثانية: أن يكون له علم وحلم ووقار وسكينة.
الثالثة: أن يكون قويا على ما هو فيه وعلى معرفته.
الرابعة: الكفاية وإلا مضغه الناس.
الخامسة: معرفة الناس ,
قال العلامة ابن القيم رحمه الله
وهذا مما يدل على جلالة أحمد ومحله من العلم والمعرفة ; فإن هذه الخمسة هي دعائم الفتوى , وأي شيء نقص منها ظهر الخلل في المفتي بحسبه.
[النية ومنزلتها] فأما النية فهي رأس الأمر وعموده وأساسه وأصله الذي عليه يبنى ; فإنها روح العمل وقائده وسائقه , والعمل تابع لها يبنى عليها , يصح بصحتها ويفسد بفسادها وبها يستجلب التوفيق , وبعدمها يحصل الخذلان , وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة , فكم [ص: 153] بين مريد بالفتوى وجه الله ورضاه والقرب منه وما عنده , ومريد بها وجه المخلوق ورجاء منفعته وما يناله منه تخويفا أو طمعا , فيفتي الرجلان بالفتوى الواحدة وبينهما في الفضل والثواب أعظم مما بين المشرق والمغرب.
هذا يفتي لتكون كلمة الله هي العليا ودينه هو الظاهر ورسوله هو المطاع , وهذا يفتي ليكون قوله هو المسموع وهو المشار إليه وجاهه هو القائم سواء وافق الكتاب والسنة أو خالفهما , فالله المستعان.
وقد جرت عادة الله التي لا تبدل وسنته التي لا تحول أن يلبس المخلص من المهابة والنور والمحبة في قلوب الخلق وإقبال قلوبهم إليه ما هو بحسب إخلاصه ونيته ومعاملته لربه , ويلبس المرائي اللابس ثوبي الزور من المقت والمهانة والبغضة ما هو اللائق به ; فالمخلص له المهابة والمحبة , وللآخر المقت والبغضاء.
[العلم والحلم والوقار والسكينة] وأما قوله: " أن يكون له حلم ووقار وسكينة " فليس صاحب العلم والفتيا إلى شيء أحوج منه إلى الحلم والسكينة والوقار ; فإنها كسوة علمه وجماله , وإذا فقدها كان علمه كالبدن العاري من اللباس , وقال بعض السلف: ما قرن شيء إلى شيء أحسن من علم إلى حلم.
والناس ههنا أربعة أقسام , فخيارهم من أوتي الحلم والعلم , وشرارهم من عدمهما , الثالث: من أوتي علما بلا حلم , الرابع: عكسه فالحلم زينة العلم وبهاؤه وجماله.
وضده الطيش والعجلة والحدة والتسرع وعدم الثبات ; فالحليم لا يستفزه البدوات , ولا يستخفه الذين لا يعلمون , ولا يقلقه أهل الطيش والخفة والجهل.
بل هو وقور ثابت ذو أناة يملك نفسه عند ورود أوائل الأمور عليه ولا تملكه أوائلها , وملاحظته للعواقب تمنعه من أن تستخفه دواعي الغضب والشهوة ; فبالعلم تنكشف له مواقع الخير والشر والصلاح والفساد , وبالحلم يتمكن من تثبيت نفسه عند الخير فيؤثره ويصير عليه وعند الشر فيصبر عنه ; فالعلم يعرفه رشده والحلم يثبته عليه , وإذا شئت أن ترى بصيرا بالخير والشر لا صبر له على هذا ولا عن هذا رأيته , وإذا شئت أن ترى صابرا على المشاق لا بصيرة له رأيته , وإذا شئت أن ترى من لا صبر له ولا بصيرة رأيته , وإذا شئت أن ترى بصيرا صابرا لم تكد , فإذا رأيته فقد رأيت إمام هدى حقا فاستمسك بغرزه.
والوقار والسكينة ثمرة الحلم ونتيجته.
ولشدة الحاجة إلى السكينة وحقيقتها وتفاصيلها وأقسامها نشير إلى ذلك بحسب علومنا القاصرة , وأذهاننا الجامدة , وعباراتنا الناقصة , ولكن نحن أبناء الزمان , والناس بزمانهم أشبه منهم بآبائهم , ولكل زمان دولة ورجال.
[ص: 154] حقيقة السكينة] فالسكينة فعيلة من السكون , وهو طمأنينة القلب واستقراره , وأصلها في القلب , ويظهر أثرها على الجوارح ,
¥