[النداء الأخير]
ـ[عاطف إبراهيم]ــــــــ[05 - Oct-2007, صباحاً 07:29]ـ
الحمد لله والصلاة والسلام على النبي محمد وآله الطيبين وصحبه الكرام أما بعد،
كأني بنا ونحن في سفر طويل شاق، نسيح في البلدان وننزل السهول والوديان ونعبر الفيافي والقفار وكما هو حال المسافرين؛ تتغبر الملابس، وتتسخ الأجساد، وتُنهك القوى
وبينما نحن - المسافرين - على هذه الحال من الإنهاك والتعب وتغير الرائحة، إذ رأينا من بعيد وسط هذه الفيافي والقفار القاحلة رأينا واحة خضراء ومراعي غنَّاء، وفواكه وماء، وأعلاماً مرفوعة تهدي السائرين، وإذا بالمنادي في أبهى حُلَّةٍ، ينادي المسافرين المتعبين لماء بارد عذب زلال، وظل ظليل وأكل وشرب بلا كلفة أو عناء، يناديهم للراحة والنظافة والزاد المتجدد لإكمال سفرهم وعبور طريقهم.
وهنا يسارع بعض المسافرين وقد استشعروا ما هم فيه من تعب وغبار وضايقهم تغير رائحتهم، ورأوا في هذه الواحة غنيمة باردة، واستراحة من وعثاء السفر وعنائه، فأسرعوا ملبين نداء هذا المضياف الكريم
فدخلوا واحته بسلام، آمنين مطمئنين، فاستقبلهم أحسن استقبال، وأباحهم واحته، فاغتسلوا وتطيبوا، وأكلوا وشربوا، وتفكهوا واستراحوا، واستبدلوا شعث رؤوسهم وغبار ملابسهم ووسخ أجسادهم جمالاً وبهاءً وزينةً، فذهب عنهم ما وجدوا من التعب وراح عن نفوسهم ما لاقوه من عناء، وإذا بهم يشمرون من جديد وينشطون بجد لاستكمال سفرهم وعبور طريقهم حيث أوطانهم حيث الراحة الكبرى والاستقرار بين الأهل والأحباب
والعجب أن كثيراُ من المسافرين الآخرين أهملوا الدعوة الكريمة لصاحب هذه الواحة وأعرضوا عن مزايا تلك الاستراحة، ورضوا لأنفسهم بدوام التعب واللصوق بالغبار، واستمرأوا قذارة الأجساد، بل وسلكوا طريقاً آخر معوجاً ملتوياً ينأى بهم عن محل الراحة والطهارة.
ولم يفطن هؤلاء أن هذه الواحة كانت فرصتهم الأخيرة لتبديل حالهم وإصلاح شأنهم فلم يجنوا عند وصولهم ونهاية سفرهم إلا الندامة والخسران
فالمسافرون - أحبتي - هم: نحن!، ودنيانا بما فيها هي طريق سفرنا،
والمعاصي والغفلة والذنوب والتقصير والإعراض والصدود هي - كلها - هذا الغبار وهذه الأوساخ التي تعْلَق بقلوبنا وتأسن بها نفوسنا وتسبب لنا الوهن والضعف والجوع والظمأ، والقلق والخوف، والجزع والهلع، وقسوة القلب وجمود العين
وشهر رمضان المبارك هو هذه الواحة الخضراء، أباحها لنا الله - تعاظم فضله وبره - ودعانا إليها وجمَّلها بكل ما يمحو الخطايا، وحلاَّها بجميع ما يفك الأغلال ويضع الإصر عن عباده المسافرين إليه ليلهم ونهارهم
فمن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه
ومن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه
ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدم من ذنبه
ولله في كل ليلة من ليالي رمضان عتقاء من النار
وللصائم فرحتان ....... عند فطره، وعند لقاء ربه
فالموفقون السعداء هم من قبلوا دعوة ملك الأرض والسماء، وعملوا بالصالحات، وتزودوا من التقوى والخيرات ليوم اللقاء، وأحسنوا في صيامهم وذكرهم واجتهدوا في قيامهم وقراءة القرآن والدعاء
إنه - أحبتي - الأسبوع الأخير والليالي الأخيرة
وهذا هو النِّداء الأخير لمن ألقى السمع وهو شهيد، لمن أحب أن يلحق بالركب، لمن طمع في الرحمة والمغفرة والعتق من النيران، فأحْسِنْ أحْسَنَ إليك، فقد بقيت بقية فكن فيها ذا تقية
الزم قراءة القرآن واختم في ثلاث (ختمتان لنهاية الشهر)
ليكن لسانك رطباً بالذكر حال انشغالك عن قراءة القرآن
قف واخشع وتبتل وتضرع وتذلل وأطل القيام والسجود بالليل
اختم الشهر بأقصى ما تستطيعه من جهد في مرضاة ربك والتقرب إليه فأشد ما يكون السباق عند النهاية
أعانني الله وإياكم ووفقني وإياكم للعمل الصالح وكتب لنا براءة من النار وجعلنا من أهل السعادة في الدارين
والحمد الله رب العالمين