[لمحات من حياة الإمام علامة عصره محمد بن اسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله]
ـ[أبو عبدالله الكُحلاني]ــــــــ[16 - Oct-2007, مساء 11:07]ـ
[لمحات من حياة الإمام علامة عصره محمد بن اسماعيل الأمير الصنعاني رحمه الله]
من العلماء الأعلماء الذين ظهروا في اليمن في القرن الثاني عشر الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني رحمه الله، وهو إما مجتهد، كان له باع طويل في العلم، وخلَّف تراثا ضخما تجاوز الثلاثمائة مؤلف ما بين كتاب كبير ورسالة صغيرة، وكان له إلى جانب الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمهما الله تعالى أثر كبير في النهضة العلمية الإصلاحية في العصر الحاضر، لهذا أحببت أن أضع بين يدي القارئ الكريم لمحات عن حياة هذا العالم نتناول سيرته الذاتية، وجهوده العلمية، وعقيدته ومذهبه، وذلك وفاءً بحق هذا العلم، ودفعًا لما يمكن أن يظن به، بسبب ظهوره في بيئة زيدية معتزلة، بل إن بعض الباحثين لا يرغب في دراسة تراث أمثال هؤلاء، مع تحررهم من التقليد والتبعية، واتباعهم للكتاب والسنة المحمدية، وقد ذكر ذلك الشوكاني رحمه الله فقال: "ولا ريب أن علماء الطوائف لا يكثرون العناية بزهل هذه الديار لاعتقادهم في الزيدية ما لا مقتضى له إلا مجرد التقليد لمن لم يطلع على الأحوال، فإن في ديار الزيدية من أئمة الكتاب والسنة عددا يجاوز الوصف، يتقيدون بالعمل بنصوص الأدلة ويعتمدون على ما صح في الأمهات الحديثية وما يلتحق بها من دوواين الإسلام المشتملة على سنة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم ولا يرفعون إلى التقليد رأسا، لا يشوبون دينهم بشيء من البدع التي لا يخلو أهل مذهب من المذاهب من شيء منها، بل هم على نمط السلف الصالح في العمل بما يدل عليه كتاب الله وما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ع اشتغالهم بالعلوم التي هي آلات علم الكتاب والسنة من نحو وصرف وبيان وأصول ولغة ... " (1).
وبعد، فهذا أوان الشروع في المقصود بعون الملك المعبود.
أولا: سيرته الذاتية وتشتمل على ما يلي:
1 اسمه ونسبه وكنيته ولقبه:
هو محمد بن إسماعيل بن صلاح بن محمد بن علي، وينتهي نسبه إلى الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ويكنى "بأبي إبراهيم" وإبراهيم هو أكبر أولاده، وأمه ابنة السيد هاشم بن يحيى الشامي، وقد تزوجها الصنعاني في شوال عام 1317ه (2)، ويلقب "بالمؤيد بالله"، وقد ذكر ذلك صديق خان (3) والزركلي (4)، وهو غير مشهور به بين أهل العلم كلقبه الثاني وهو: "البدر" (5) وقد اشتهر به شهرة واسعة، والبدر: هو القمر إذا امتلأ، ويشبه الرجل به إذا تم وكمل، قال ابن منظور (6): "وبدر القوم: سدهم على التشبيه بالبدر".
كما اشتهر الصنعاني أيضا "بالأمير"، وهو يطلق عليه وعلى أجداده، كما يطلق على أحفاده، ولكن إطلاقه عليه أشهر، وقد قال الشوكاني (7) بعد سياقه لنسبه: "المعروف بالأمير"، والأمير نسبة إلى الأمير الشهير: "يحيى بن حمزة بن سليمان ت636ه" (8) ولهذا يقال للصناعني: "الأمير"، ويقال أيضا: "ابن الأمير".
وقد لقَّب الشيخ عبد الحي الكناني (9) رحمه الله الصنعاني "بالمتوكل على الله" والصواب أن هذا ليس لقبًا له، وإنما لأبيه كما قال الزركلي (10) في ترجمة محمد بن إسماعيل: " ... يلقب "المؤيد بالله" ابن "المتوكل على الله".
2 مولده ونشأته الأولى:
ولد محمد بن إسماعيل ليلة الجمعة نصف جمادى الآخرة عام 1099ه (11) بمدينة "كحلان" (12)، ثم انتقل مع والده إلى مدينة "صنعاء" عام 1107ه كما ذكر الشوكاني (13)، وقد ذكر المؤرخ زيارة أنه انتقل عام 1110ه (14)، ثم ذكر في ترجمة والد الصنعاني أنه انتقل عام 1108ه (15)، والذي أميل إليه في ذلك هو رأي الشوكاني رحمه الله لقرب عهده بالمترجم له، كما أنه لم يذكر إلا تاريخا واحدا، وقد ذكر المؤرخ زيارة تاريخين مختلفين كما سبق ذكره.
وقد أقام الصنعاني رحمه الله بصنعاء ومات فيها، ولم يخرج منها إلا لتلقى العلم على يد المشايخ، أو للابتعاد عن السلطة الحاكمة في صنعاد، ومكنه في نهاية الأمر استقر بها حتى وفاته.
وقد أتم الصنعاني حفظ القرآن عن ظهر قلب بعد دخوله صنعاء، ولعل الباعث لهجرة والد الصنعاني من "كحلان" إلى "صنعاء" رغبته في تلقي العلم له ولأولاده على علماء صنعاء، وقد رجح ذلك مؤلفو الكتاب "ابن الأمير وعصره" (16).
3 ورعه وزهده:
¥