تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[الابتعاد عن الجدال]

ـ[عبدالقادر بن محي الدين]ــــــــ[25 - Dec-2007, صباحاً 12:15]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

يقول بعضهم منافحاً عن انتشار الجدال كما تراه: إنّ الخصام مطلوب , لإنّ به يدافع المتسنن عن الحق , ولا سيما مع انتشار الطوائف المبتدعة , والفرق الضالّة , والصواب أن الجدال عن الحق إن احتيج اليه كان مشروعاً , وقد يجب على القادر عليه إن تعيّن ذلك دفاعاً عن الحقّ , فإنّه من جملة الجهاد , وقد جاء في الحديث:" جاهدوا الشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم (أحمد وأبوداود عن أنس , وهو في صحيح الجامع الصغير للألباني رحمه الله) ,

بل جاء ذكر الجهاد بالقلب أيضاً في الحديث الصحيح , وهو على كل حال من درجات تغيير المنكر , وحكى الله تعالى جدال خليله إبراهيم , وكليمه موسى , وخطيب الأنبياء شعيب , وغيرهم, لقومهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

فالأمر متوقف على الحاجة , وقال الليث بن سعد رحمه الله:" بلغت الثمانين وما نازعت صاحب هوى قط " , وقال الذهبي في السير في ترجمته معلقاً:" كانت الأهواء والبدع خاملة في زمن الليث ,ونالك والأوزاعي , والسنن ظاهرة عزيزة , فأمّا في زمن أحمد بن حنبل وإسحاق وأبي عبيد فظهرت البدعة , وامتحن أهل الاثر , ورفع أهل الأهواء رؤوسهم بدخول الدولة معهم , فاحتاج العلماء إلى مجادلتهم بالكتاب والسنة , ثم كثر ذلك , واحتجّ عليهم العلماء إيضاً بالمعقول , فطال الجدال , واشتدّ النزاع وتولّدت الشُبه ".

فالخصام إنّما يكون في الله ,كما قال تعالى:" هذان خصمان اختصموا في ربّهم " , قيل اختصموا في ذاته أو صفاته أو في دينه , أو في جميع ذلك , وهذا أعلى درجات الإختصام في الحقّ , ومن دعاء النبي صلّى الله عليه وسلم:" اللهمّ لك أسلمت , وبك آمنت , وعليك توكلت , وإليك أنبت ,وبك خاصمت , وإليك حاكمت ,,, " , في هذه المقاطع كلّها قُدّمت حروف الجر ومجروراتها على الأفعال , وهذا مُشعر بإرادة التّخصيص , وإفادة الحصر , أي لا أخاصم إلاّ فيك , ومن أجلك , أو إنّما أخاصم بما أعطيتني من البرهان , ولقنتني من الحجّة.

فراجع نفسك قبل الخصام في أشياء: هل تعرف ما تُخاصم عنه أو فيه معرفة شرعية جيدة , حتى يكون خصامك قائماً على الحجّة والبرهان ? , أم أنت مُجرّد متعصّب لقولٍ سمعته , أو شخص أحببته ? , وهل هذا الأمر ممّا يسوغ فيه الخصام ? , فإنّنا كثيراً ما نرى ذلك من غير سبب مشروع , وذلك كالجدال في المسائل العلمية التي اختلف النّاس فيها لاختلاف أهل العلم , بل لاختلاف الصّحابة فيها , والمجزوم به أنّ النزاع فيها لا ينتهي , وما المصلحة الشرعية المترتّبة على هذا الخصام الذي أقدمتَ عليه ? , وهل هناك مفسدة تترتّب عليه ? , وما قياس المصلحة إليها ? , حتى إذا تزاحمتا نظرت في الأمر فأقدمت على إحداهما وتركت الأخرى حسب قانون تزاحم المصالح والمفاسد الذي يعرفه العلماء , وما الدّافع لك إلى الخصام ? , فهل خصامك في الله ?, وهل تريد الوصول إلى الحق ? , أم أن الباعث لك على ذلك إنّما هو الهوى والشُبهة ?, ومن هذا الذي تخاصمه ?, إذ كثيراً ما لا يُثمر ذلك نفعاً , إن لم يكن من تُجادله من أقرانك علماً , ومن أترابك سناً.

وأنت إذا رجعت إلى كتاب الله ألفيت الجدال منهياً عنه , أو مأذوناً فيه بقيد التي هي أحسن , والشيئ إذا أذن فيه مقيّداً دلّ ذلك والله أعلم على أن الأصل فيه عدم المشروعية , وإنما أجيز للحاجة , قال الله تعالى:" ولا تُجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم " , فالجدال وإن احتيج إليه أحياناً , فليس عليه المعول , ومن تفقّه في الأحكام نفر من الخصام ومسبباته , وتشوّف إلى الوفاق ومقتضياته , فإن اضطرّ إليه خاصم في الله , ولا يكون ذلك إلاّ بعد العلم بأحكام الله , وقد قيل لمالك بن أنس: يا أبا عبد الله , الرجل يكون عالماً بالسنة أيجادل عنها ? , قال: لا , ولكن يخبر بالسنّة , فإن قبلت منه وإلاّ سكت " (جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر 2/ 94

وخير ما نختم به أبيات لأبي مصعب بن عبد الله الزبيري:

اأقعد بعدما رجفت عظامي ** وكان الموت أقرب ما يليني ?

أجادل كل معترض خصيم ** وأجعل دينه غرضاً لديني ?

فأترك ما علمت لرأي غيري ** وليس الرّأي كالعلم اليقيني!!

وما أنا والخصومة وهي لبس ** تصرف في الشّمال واليمين ?

والله أعلم.

ـ[علي أحمد عبد الباقي]ــــــــ[25 - Dec-2007, صباحاً 07:32]ـ

جزاك الله خيرًا أخانا عبد القادر.

وللفائدة من البحاث الجيدة المتعلقة بهذا الموضوع:

- منهج الجدل والمناظرة في تقرير مسائل الاعتقاد. للدكتور عثمان بن علي حسن.

وهو في الأصل رسالة علمية تقدم بها المؤلف لنيل درجة الدكتوراة من قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة في كلية أصول الدين - جامعة الإمام محمد بن سعود - الرياض.

وقد طبع بدار إشبيليا - الرياض سنة 1420هـ = مجلدين (1275 صفحة).

- أصول الجدل في الكتاب والسنة. تأليف الدكتور حمد بن إبراهيم العثمان.

طبع بمكتبة ابن القيم - الكويت سنة 1422هـ = مجلد واحد (604 صفحة).

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير