تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

فتوى بأنّه لا يجوز القطعُ بالجنّة لأحدٍ إلاّ بنصّ للإمام الحافظ عبدالغنيّ المقدسي

ـ[كمال الجزائري]ــــــــ[25 - Dec-2007, مساء 02:00]ـ

فتوى بأنّه لا يجوز القطعُ بالجنّة لأحدٍ إلاّ بنصّ للإمام الحافظ أبي محمّد عبدالغنيّ بن عبدالواحد المقدسي

(ت 600هـ)

للشيخ عمار تمالت

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أمّا بعد:

فهذه فتوى سنّيّة، ومسألة سلفيّة، أجاب بها الحافظ الإمام السلفيّ أبو محمد عبد الغنيّ بن عبد الواحد المقدسي المتوفّى سنة 600هـ على سؤالٍ رُفع إليه حول بدعةٍ خطرت في اعتقاد أحد العلماء الفقهاء من أتباع المذاهب في عصره، ولعلّها من ثمرات التعصّب المذهبي المقيت، وهي زعمُه أنّ الأئمّة الأربعة أصحاب المذاهب الفقهيّة كلّهم في الجنّة قطعاً دون استثناء، وأنّ من لم يعتقد غيرَ هذا فقد كفر، فرفع الحافظ عبد الغنيّ قلمه وخطّ بيراعه هذه الفتوى الذهبيّة التي إن دلّت على شيءٍ فإنّما تدلّ على عظمة عقيدة السلف في القلوب، وأنّها لا تقبل عاطفةً ولا تسلّم لشبهةٍ، فبيّن رحمه الله بالأدلّة القاطعة والبراهين الساطعة أنّ من عقيدة أهل السنّة التي يلزم كلَّ أحدٍ التسليمُ لها أنّهم لا يشهدون بالجنّة لأحدٍ ـ كان من كان ـ سوى من شهد له الربُّ سبحانه في كتابه أو شهد له النبيُّ صلى الله عليه وسلّم بذلك، وقدّم رحمه الله لفتواه بتقدمةٍ منهجيّة تُعدُّ قاعدةً لكلّ من أراد أن يُفتي في مسألةٍ أو يُجيبَ على نازلةٍ.

أمّا المُفتي في هذه المسألة فهو (1): الحافظ أبو محمد عبد الغنيّ بن عبد الواحد بن عليّ بن سرور الجمّاعيليّ المقدسيّ الدمشقيّ الصالحيّ، وُلد بجمّاعيل – من قرى فلسطين – سنة 541هـ، ونشأ نشأةً علميّةً منذ صغره، ولمّا كان في سنّ الشباب – في العشرين من عمره – رحل إلى بغداد عاصمة العلم لأخذ العلم وسماع الحديث وكان في مرافقته ابنُ خاله الموفّق ابن قدامة (ت 620هـ)، وكانت هذه الرحلة أوّل رحلةٍ للحافظ عبد الغنيّ، ثم تتابعت رحلاتُه إلى مختلف المدن والبلدان تتبّعاً للإسناد وجمعاً للحديث وتفقّهاً فيه، فرحل إلى كلٍّ من: الإسكندريّة، وأصبهان، وهمذان، والموصل، وغيرها، وبذلك نمت حصيلةُ الحافظ العلميّة، وكثر شيوخُه، وتعدّدت مرويّاتُه، ثم تفرّغ رحمه الله إلى تبليغ علمه وتدريسه، وكان له مجلسُ علمٍ في الجامع الأموي بدمشق، وكثر بذلك تلاميذُه و انتشر علمُه وخبرُه وبالخصوص علم الحديث الذي يُعدُّ رحمه الله حامل لوائه في دمشق، وقد لقّبه الضياءُ المقدسي (محمد بن عبد الواحد المتوفّى سنة 643هـ) بأمير المؤمنين في الحديث، وقال فيه شيخُه أبو اليُمن الكندي (زيد بن الحسن المتوفّى سنة 613هـ): «لم يكن بعد الدارقطني مثلُ الحافظ عبد الغنيّ»، وكان الحافظ عبد الغنيّ رحمه داعياً إلى الالتزام بمنهج السلف في صفات الله سبحانه، حيث إنّه كان يُشهِرُ أحاديث الصفات في مجلسه بدمشق، حتى سبّب له ذلك محنةً عظيمةً تعرّض لها هو وأصحابُه من الأشاعرة الحاقدين.

وقد عُني الحافظ عبد الغنيّ بالتأليف (2) في الحديث وعلومه خصوصاً، فجمع أحاديثَ الأحكام المتّفق على صحّتها في كتابه «عمدة الأحكام من أحاديث سيّد الأنام» ذلك الكتاب الذي سارت به الركبان واعتنى به العلماء شرحاً وتدريساً، وجمع في رجال الكتب الستّة كتاباً سمّاه «الكمال في أسماء الرجال» عوّل عليه المزّي في كتابه «تهذيب الكمال»، كما جمع أحاديثَ الصفات في كتابٍ، وله «السنن»، و «السيرة النبويّة» مختصر نافع، وله أجزاء حديثيّة في مواضيع مختلفة تدلّ على سعة علمه وإتقانه طُبع منها: «الترغيب في الدعاء» و «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» و «ذكر النار» و «التوحيد» و «تحريم القتل» و «فضائل رمضان» وغيرها.

توفّي الحافظ عبد الغنيّ سنة 600هـ إثر مرضٍ شديد منعه من الكلام والقيام، رحمه الله تعالى وأسكنه فسيح جنّاته ونفع بعلومه ومؤلّفاته.

أمّا الفتوى التي أنشرها في هذه المجلّة الغرّاء (3) فهي محفوظة بخطّه رحمه الله في دار الكتب الظاهريّة بدمشق برقم 3814 ضمن المجموع 78، وقد اعتمدتُ في إخراجها على النسخة المصوّرة بمكتبة الجامعة الإسلاميّة بالمدينة النبويّة.

http://www.rayatalislah.com/Akhbarelkoutoub-wa-ettourath/img/maqdessi/makhtouta.jpg

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير