تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[ما يطلبه المستمعون!!!]

ـ[د. مصطفى]ــــــــ[07 - Jan-2008, مساء 06:21]ـ

ما يطلبه المستمعون

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،

موقف الخطباء بإزاء مطالب المستمعين متباينة ما بين الانصياع التام إلى الإعراشض التام ولكل منهما أضراره ومخاطره، نعرض لها في إيجاز ثم نُلقي الضوء على طريقة متوسطة بينهما.

فأما الذين يرفعون شعار ما يطلبه المستمعون فيرون أن جمع الناس على سماع الخطبة أو الدرس لكي ينتفعوا به غرض أساسي للداعي، فلذلك فإنهم يبذلون كل ما يمكن أن يؤدي إلى ذلك، وما يطلبه المستمعون متنوع ولا يخلو كثير منه من مفاسد ومن ذلك:

1 - الإسراف في سرد القصص مع العناية بالجزئيات والتي تلجئ صاحبها إلى كثيراً إلى الإسرائيليات في التفسير، وإلى كتب السيرة والتاريخ المتهالكة، والمستمع من هذا النوع لا يحب من الداعي أن يقطع عليه تسلسل القصة بذكر فائدة أو عبرة ولا يقبل غالباً أن تتحول قصص الصالحين إلى دعوة إلى الاقتداء بهم، ولا قصص الذين ظلموا أنفسهم إلى دعوة إلى التفتيش في النفس عما يمكن أن يوجد فيها من أمراض، وخلاصة الأمر أن هذا النوع من المستمعين يريد من الداعي أن يتقمص دور منشد الربابة في الأدب الشعبي، وللأسف يتجاوب كثير من الدعاة مع هذا الطلب فيقع أسيراً لهذا الأسلوب الذي لا يكاد يحرك في المستمعين أي عمل بناء.

2 - وأفحش من ذلك من يعمد إلى القصص المتهالكة من أصلها لما فيها من الإغراب، وهذه النوعية من طلبات المستمعين ليست عديمة الفائدة أو محدودة النفع فحسب، ولكنها كثيراً ما تحتوي على مخالفات عقدية وشرعية كقصة حمامة المسجد، وقصة الغرانيق، والقصة المطولة لهاروت وماروت وغيرها كثير.

3 - ومما يلحق بهذا، الإسراف في ذكر القصص الواقعية وهي وسيلة من وسائل العظة والعبرة، ولكن الخطورة هنا أن في قصص القرآن والسنة يكون هنالك أصل للقصة من الوحي وهذا الأصل يمثل مضماراً للشارح والواعظ، ومع هذا انحرف من انحرف فكيف إذا كانت القصة من أصلها من نسج الواعظ لاسيما إن كان ممن يقعون تحت تأثير الجمهور، فالجمهور يريد القصة محبوكة ولا يريد من القاص أن يقفز فوق التفاصيل مع أن هذا هو الذي ينبغي توفيراً للوقت لاستنباط المواعظ والدروس، وتتأكد أهمية القفز فوق التفاصيل إذا كانت القصة تتعرض لحياة المنغمسين في الشهوات، ولكن للأسف فكثير ممن يعتمد هذا الأسلوب يسرف في ذكر تفاصيل المنكرات إلى الدرجة التي يُخشى معها أن تكون وسيلة لمعرفة الكثيرين بهذه المنكرات ومن ثم سعيهم لتجربتها.

4 - وقريب من هذا من يرفع شعار "لا حياء في الدين" وهذا الشعار على إطلاقه هكذا يوهم معنى فاسداً، بل أثنت عائشة -رضي الله عنها- على نساء الأنصار اللاتي لم يمنعهن الحياء من التفقه في الدين، والفرق بين التعبيرين ظاهر، فالأول ينفي وجود الحياء والثاني يبين أن الحياء مع وجوده لم يكن مانعاً من التفقه في دين الله تعالى، ووجود الحياء يعني أن الملقي والمتلقي كلاهما سوف يلجئان إلى الكناية والتورية والإشارة إلا فيما لابد منه، ولذلك أعرض النبي –صلى الله عليه وسلم- عن تعليم من سألته عن كيفية التطهر من الحيض -لأنه بوسعها أن تتعلم ذلك من النساء- فقال لها (سبحان الله تطهري) متفق عليه، فقامت عائشة رضي الله عنها بتعليمها.

وبعض من يرفع هذا الشعار -"لا حياء في الدين"- يكثر من عرض الموضوعات التي تحتاج إلى الحياء وهو يتناولها بلا حياء، وازداد الأمر سوءاً هذه الأيام بعرض هذه الأمور على شاشات الفضائيات والمتحدث لا يدري حال المستمعين، فربما كانوا على مقهى والغاديات والرائحات أمامهم، وربما كانوا مجموعة من الأصدقاء في زيارة مختلطة رجالاً ونساء -على ما جرت عليه عادة أهل هذا الزمان- فيأتي هذا البرنامج ليزيد الطين بلة، بل ولعل أخوة أشقاء شباباُ وفتيات يجلسون أمام الشاشة وغير ذلك مما يندى له الجبين، ومع هذا يبقى هذا طلباً ملحاً لعدد كبير من المستمعين الذين يبحثون عن الإثارة ولو في درس شرعي.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير