تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[حرب المفاهيم: خطبة رائعة لفضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس]

ـ[حمدان الجزائري]ــــــــ[11 - Jan-2008, مساء 12:13]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد فهذة خطبة قيمة لفضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس عرج فيها على مشكلات الأوضاع الراهنة في بلاد الإسلام فقد أجاد وأفاد بارك الله فيه في هذا الطرح حيث دار موضوع خطبته على مايلي: 1 - فتنة العقول والفهوم. 2 - خطورة الانحراف الفكري. 3 - أهمية الفهم الصحيح. 4 - مفاسد سوء الفهم. 5 - انقلاب المعايير. 6 - الانحراف الحاصل في العقيدة والعبادات والمعاملات. 7 - دعوة لتصحيح منهج التلقي. 8 - ضرورة الرجوع إلى فهم السلف الصالح. 9 - أسباب اختلال المفاهيم. 10 - سبل العلاج.

أسال الله أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح

الخطبة الأولى:

أمّا بعد: فأوصيكم ـ عبادَ الله ـ ونفسي بتقوى الله عزّ وجل، فإنها نعمتِ الوصية، وأهلُها خير البريّة، من حقَّقها حقّق المراتبَ العليّة والمطالب السنيّة، وسلِم من كلّ فتنة وبليّة، واستوى عنده في هذه الدّنيا تِبرُها وترابها وعذبها وعذابها، ي?أَيُّهَا ?لَّذِينَ ءامَنُواْ ?تَّقُواْ ?للَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَ?تَّقُواْ ?للَّهَ إِنَّ ?للَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحشر:18].

أيّها المسلمون، تمرّ الليالي والأيّام، وتكِرّ الشهور والأعوام، ولا تزال أمّة الإسلام تتجرَّع المآسيَ وتعيش الفِتن، وتعصف بها الابتلاءات وأمواجُ المحن، وإذا كانت فتَن هذا الزمان قد تتابعت ومِحن العصر قد تنوَّعت وتكاثرت كحبّات عِقدٍ منتثِر أو كسيلِ سماءٍ منهمر فإنّ أشدَّ هذه الفتن خطرًا وأعظمَها أثرًا وأكثرها ضررًا فتنة العقول والفهوم؛ بصرفها عن مراد الله عزّ وجلّ ومراد رسوله ومنهجِ السلف الصالح رحمهم الله.

معاشرَ المسلمين، المتأمِّل في مسيرة الأمّة الإسلامية عبر تأريخها الطويل يجد أن هناك أنواعًا مِن الانحرافات الخطيرة التي مُنيت بها هذه الأمّة، غيرَ أنّ انحرافَ المفاهيم هو الخلاصة المرَّة التي آل إليها الانحرافُ التأريخيّ برُمَّته، ولئن ظنَّ بعض الغيورين أنّ ما أصاب الأمّةَ من أرزاء هو إفرازُ الانحرافات السلوكيّة المتفشِّية بين ظهرانيها، فإنّ مِن المؤكَّد أنّ الانحراف الأخطرَ بلا مُوارَبة الذي رُزئت به أمّتُنا عبرَ التأريخ هو الانحرافُ في الأفكار والمفاهيم. فقد يجِد الدّاعية رجلين؛ أحدُهما منحرف السلوكِ مستقيم المفاهيم، والآخر منحرفٌ في السلوك والمفاهيم، فسيبذل جهدًا يسيرًا مع الأوّل لصحّة مفاهيمه، بينما سيبذل جهدًا أكبرَ مع الآخر لأنّه يحتاج أوّلاً إلى تصحيح مفاهيمه، ثمّ بعد ذلك تصحيح سلوكه. وتلك هي الحقيقة المرّةُ في حال كثيرٍ من أبناء أمّتنا اليوم، فلقد تجاوز الانحرافُ مرحلةَ السلوك، وبلغ ذِروتَه في المفاهيم الرئيسَة لهذا الدّين القويم، لذلك فليس من الغرابةِ أن تعيشَ أمّتنا شدّةَ الكربة وحالة الغُربة التي أخبر عنها المصطفى في الحديث الصحيح عند مسلم وغيره: ((بدأ الإسلام غريبًا، وسيعود غريبًا كما بدأ)) [1].

وأيُّ اغترابٍ فوق غربتِنا التي لها صارتِ الأعداءُ فينا تحكَّمُ [2]

إخوةَ الإيمان، قضيّة الفَهم الصحيح قضيّةٌ من أهمِّ القضايا التي ينبغي العنايةُ بها، لا سيّما في أوقاتِ الفتن؛ إذ بها تتفاوت مراتبُ الخَلق في إصابةِ الحقّ، ولذلك اختصَّ الله نبيَّه سليمان عليه السلام بالفَهم مع ثنائه عليه وعلى داودَ بالعِلم والحُكم، قال تعالى: فَفَهَّمْنَـ?هَا سُلَيْمَـ?نَ وَكُلاًّ ءاتَيْنَا حُكْماً وَعِلْماً [الأنبياء:79]، وقال عمر بن الخطّاب رضي الله عنه لأبي موسى في كتابه إليه: (الفهمَ الفهمَ فيما أُدلِي إليك) [3]، وقال عليّ رضي الله عنه: (أو فَهمًا يؤتيه الله عبدًا في كتابه) [4]، وقال أبو سعيد: كان أبو بكر رضي الله عنه أعلمَنا برسول الله [5]، ودعا النبيّ عليه الصلاة والسلام لعبد الله بن عبّاس رضي الله عنهما أن يفقِّهه في الدين ويعلِّمه التأويل [6]، وتلك مرتبةٌ فوق مرتبةِ العلم المجرَّد.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير