تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

«التّراثُ الإسْلاميُّ بَين الأصالةِ والتَّزْيِيفِ»،للمحدِّثِ طارق بن عوض اللَّه

ـ[سلمان أبو زيد]ــــــــ[14 - Jan-2008, صباحاً 12:04]ـ

«التّراثُ الإسْلاميُّ بَين الأصالةِ والتَّزْيِيفِ»،

لفضيلةِ الشَّيخ المُحدِّثِ المحقّق طارق بن عوض اللَّه

ـ سَلَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ـ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

لا شك أن تحقيق الأحاديث، وتمييز ما صحّ منها وما لم يصحّ، عمل عظيم، وسُنّة ماضية، وجهاد في سبيلِ اللَّهِ ـ عزّ وجلّ ـ، وأمر بالمعروف ونهي عن المُنكر.

وقد اختار اللَّهُ ـ عزّ وجلّ ـ لهذا الأمر أئِمة صادقين، بالحق قائلين، وبه عاملين، وإليه داعين، وللباطل مجتنبين، وعنه محذّرين، فجعلهم حرّاسًا للدّين، ينفون عنه تحريف الجاهلين، وانتحال المبطلين، وتأويل الغالين.

فوضعوا لمن بعدهم أصولاً قَويمة ميّزوا بها بين الأحاديث المستقيمة والسّقيمة، وأظهروا في رواتها كل شريفة وذميمة؛ تدينًا وتقربًا إلى اللَّهِ ـ عزّ وجلّ ـ وذبًّا للكذب عن رسوله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ تسليمًا.

ثم تبعهم بإحسان كثير من أهلِ العلمِ المُتأخرين وبعض المُعاصرين، فساروا على دَرْبِهم، وضربوا على مِنْوَالهم، واهتدوا بهديهم، فأكملوا ما ابتدؤوه، وبينوا ما أهملوه، وفصّلوا ما أجملوه، فبارك اللَّهُ في سعيهم، ونفع بهم وبعلمهم.

وها نحن اليومَ؛ نعيش في ظل نهضة علمية، ظهر أثرها في نشر عدد كبير من كتب الحديث في جميع مجالاته، كانت منذ أمد بعيد حَبِيسَة المكتبات العامة.

وقد صاحب إخراج هذا الكم الهائل من كُتب السُّنَّة تحقيقاتٌ وتعليقاتٌ وتخريجاتٌ لأحاديثها ورواياتها من أساتذة أفاضل، وعلماء أجلاء، وباحثين مجتهدين، فازدادت هذه الكتب بأعمالهم رَوْنَقًا وبهاءً، فجزاهم اللَّهُ خيرًا على ما قدمّوا وبينوا.

غير أن هذا الخير قد شابه بعض الدّخَن، وهذه القوة قد أصابها بعض الوَهَن، وهذه سّنة اللَّهِ الماضية، ? فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً ? [سورة فاطر الآية 43] فقد أبى اللَّهُ الحفظ الكامل إلا لكتابه.

وقد نظرت فإذا الأسباب التي من وراء ذلك كثيرة، فرأيت أن أذكر ضوابط كليةً لترشيد العمل، والاستقامة على الطريق؛ تصحيحاً للمسار، ونصحاً للَّهِ، ولرسولهِ ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ ولكتابه، ولأئمة المسلمين، وعامتهم؛ كما ثبت الحديث بذلك عن النبي ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ.

وبالضرورة؛ فإن هذه الضوابط ليست لورّاق أو كتبيّ أو تاجر يستغل حاجة الناس للكتاب، فيدفعه إلى بعض الأحداث ناسخين له نَسْخَ مَاسِخٍ، ومسوّدين حواشيه بما لا يمتّ إلى التّحقيق بنَسَب، ثم يخرجه أعجميًّا، لو رآه صاحبه لما عرفه، ثم يعمد إلى إخفاء هذه (الجريمة) التي يسميها (تحقيقًا) بأن يرسم على طُرّةِ الكتاب: [تحقيق وضبط ومراجعة لجنة من المختصين بإشراف النَّاشر] (!) ولو كان من بين هذه (اللّجنة) متخصص واحد، لصاح به، ولبادر إلى إبراز اسمه.

وليست هي أيضاً لـ (مُخَرّبٍ)، يسمي نفسه (مخرّجًا)، يعمدَ إلى الرّوايات الحديثية، فيخرجها ـ بزعمه ـ، فإذا به يعمد إلى الفهارس المطبوعة، فيجعل من حاشية الكتاب نسخة أخرى لها!!

ـ «التأَني والتّريّث»:

فينبغي على الباحث أن يتريث في إصدار أحكامه على الأحاديث، وأن لا يتعجل ذلك، وهذا يستلزم أحيانًا أن يُمضي الأيام الكثيرة والأزمنة البعيدة من أجل معرفة ما إذا كان الحديث محفوظًا أم اعْتَرَاه شيء من الخطأ والوهم.

وهذا كان شأن كِبار الحُفَّاظ؛ فقد قال الإمامُ الخَطيبُ البغداديُّ (1): «من الأحاديث ما تخفى علته، فلا يُوقَف عليها إلا بعد النظر الشديد، ومُضِيّ الزمن البعيد».

وقال الإمامُ علي بن المدينيُّ: «ربما أدركتُ علّة حديثٍ بعد أربعين سنة».

وهذا بالضرورة يستدعي عدم المسارعة إلى ردّ نقد النّقاد، لمجرد عدم العلم بأدلتهم، إلا بعد البحث الشّديد، واستفراغ الجُهْد في الوقوف على ما عليه اعتمد النّقاد في نقدهم؛ فإن مثل هؤلاء النّقاد لا يتكلمون بالمُجَازَفَة، ولا بالحَدْس.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير