[من أوصاف الجاهلية]
ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[02 - Feb-2008, مساء 10:54]ـ
من أوصاف الجاهلية.
بقلم / محمد جلال القصاص
كانت الجاهلية تحب الحبيب محمدا صلى الله عليه وسلم. . . تحبه وهو لا يعكف على أصنامهم، ولا يشهد مشاهدهم، ولا يستقسم بأزلامهم. . . تحبه وهو يفيض في الحج من عرفة لا المزدلفة مثلهم، تحبه وهو يتعبد الليالي ذوات العدد في غار حراء. و حين قال لهم " إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ". " قولوا لا إله إلى الله تفلحوا " سَبُّوه وآذوه وفي الشِّعْبِ حاصروه، ثم أخرجوه وقاتلوه.
وصالح عليه السلام يناديه قومُه (قَالُواْ يَا صَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوّاً قَبْلَ هَذَا) (هود: 62) ومعلوم أن صالحا ـ عليه السلام ــ لم يكن مرجوا لمشاكلته قومه وإنما لحسن سيرته بينهم. . . أحبو صدقه وأمانته وحسن فعاله، وحين تكلم بالرسالة راح رجاءهم وجاء تهديدهم وتكذيبهم.
وموسى عليه السلام تربى في قصر فرعون، وبالطبع لم يكن على دين فرعون، وما آذاه فرعون ولا سعي في قتله حتى تكلم بالرسالة فكان ما كان.
وهذا حال الأنبياء جميعهم، فالصحيح عند أهل العلم أن العصمة ثابتة لأنبياء الله قبل وبعد البعثة النبوية. ومع ذلك لم تبدأ العداوة بين نبي وقومه إلا بعد أن بدأ يتحرك لتغير واقع الجاهلية.
فالجاهلية ما كانت تعبأ بشخص صالح، وإنما بشخص مُصلح. بل هي تفرح بالصالحين المنشغلين بأنفسهم. . . تنظر إليهم بعين الاحترام والتوقير ... ترجوهم وتخلع عليهم أرفع الألقاب ــ الصدق والأمانة مثلا ــ أما حين يتحركون لتغير الأوضاع في المجتمع حينها تشتد الجاهلية وتتنكر لكل معروف عندها قبل غيرها. وتبذل كل جهدها في الحفاظ على مجتمعها.
فرعون ينادي في قومه " (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر: 26)
والدين هو الحال ُ التي يكون عليها القوم، يقول بن كثير في تفسير الآية: (يَخْشَى فِرْعَوْنُ أَنْ يُضِلّ مُوسَى النَّاس وَيُغَيِّرَ رُسُومَهُمْ وَعَادَاتهمْ).
فأخشى ما يخشاه فرعون هو أن تتغير عادات القوم وتقاليدهم.
وتدبر هذا الموقف من قوم نبي الله لوط ـ عليه السلام ـ حين أراد أن يغير مجتمعهم القذر أنظر بما أجابوه قال الله تعالى:
" وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ. أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاء بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ " [النمل: 54ــ 56]
ونبي الله شعيب لم يحمل سلاحا ولم يعلن جهادا على الكفر وأهله بل أخذ بمبدأ المسالمة والتغيير بالكلمة " وَإِن كَانَ طَآئِفَةٌ مِّنكُمْ آمَنُواْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وطائفة لَّمْ يْؤْمِنُواْ فَاصْبِرُواْ حَتَّى يَحْكُمَ اللّهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف: 87].
ولكن الجاهلية لا تطيق كل محاولات التغيير حتى التي لا تتبنى مبدأ القتال سبيلا للتغير: " قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ... " [الأعراف: 88].
فمنطق الجاهلية مع كل الحركات الإصلاحية الجادة: " لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا " هذا هو قول جميعهم كما يحكيه ربنا تبارك وتعالى على لسان كل الجاهليات من يوم كانوا إلى حين نزول القرآن: " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ... ) [إبراهيم: 13].
هذا هو منطقهم جميعهم ـــ قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم ــــ كما نصت الآية السابقة لهذه الآية. . . لم تستثن الآية أحدا.
والمقصود هو بيان أن:
¥