تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

الحَقُّ بدلائِلِه .... لا بقائِلِه ... الشيخ علي الحلبي حفظه الله

ـ[الغزي الأثري]ــــــــ[17 - Mar-2008, مساء 08:29]ـ

الحَقُّ بدلائِلِه .... لا بقائِلِه

يقول الله – تبارك وتعالى -: ((وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا))

ويقول – جلَّ في عُلاه -: ((قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمْ مَنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (35) وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ))

.. هاتان آيتان كريمتان عظيمتان – من آياتٍ كريمةٍ عظيمةٍ أخرى – تدلُّ – جميعها – على عَظَمَة الحق ,

ورفيع مكانته وكبيرِ منزلته وعُلُوِّ مَرتَبَتِه ..

وقد روى البخاري (2183) , ومسلم (1601)

عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ لِصاحِبِ الحقِّ مَقالاً ".

ورضي الله عن الصحابي الجليل معاذ بن جبل – القائل -: (تَلَقَّ الحقَّ إذا سَمِعْتَهُ؛ فإنَّ على الحقِّ نُوراً) (1).

ورحم الله من قال من أهل السنة السَّنِيَّة:

((لا ترى أحَدَاً مالَ إلى هَوىً أو بدعة: إلا وجدتَهُ مُتَحَيِّراً , مَيِّتَ القل ممنوعاً من النطقِ بالحقِّ)) (2)

وهكذا ... فالحق سلسلةٌ ذَهَبية مترابطة الحلقات , منضبطة الأحكام , دقيقة الإحكام , لا يعتريها زَيغُ ولا يَرِدُها تَرَدُّد ولا يقطعها انحراف بل الثبات نورها والهدى سبيلها والصواب واسطة عِقدِها ..

فمن وَطَّنَ نفسه على قَبول الحق , وارتياد أبوابه وسلوك أسبابه: سَهُلَ عليهِ – بتوفيقِ ربِّهِ – معرفة المِعيار الصحيح الذي يُمَيِّزُ بِهِ بين الحسن والقبيح؛ ليكون به عِلميِّ النظرة شرعيِّ الحُكم من غير عاطفة تغلبه فتغرقه ولا حماسةٍ عن الحق تَحرِفُه فَتُحرِقُه ....

فلا كبير إلا الحق ولا تقديم إلا للحق ولا تعظيم إلا لداعي الحق ...

ولقد كان علماؤنا – من قبل ومن بعد – يَفسحون لصاحب الحق , ويأنسون بكلامه , ويفرحون بصوابه – حتى لو كان – هو – في سِنِّ أبنائهم. وكانوا – هم – يَعرفون كلامه – قَبْلاً - , ويعلمونه – سابقاً -؛ فلم نعلمهم يُعرضون أو يترفعون , أو يرفضون ...

ورحم الله التابعي الجليل الإمام أبا محمد عطاء بن أبي رباح –

القائل -: ((إن الشاب ليتحدث بالحديث فأَستمعُ له , وأُنصِتُ – كأني لم أسمعه - , ولقد سمعته قبل أن يولد)) (3)

ومما يجب ذكره , وينبغي الإشارة إليه , والتعريف به: أن البعض من أهل الفضل – سددهم الله – قد يكون عندهم رغبة صادقة في إقامة إصلاح بين متخاصِمَيْنِ , أو إنشاء توسط بين مختلِفَيْن: لكنهم يَنزعون في تطبيق ذلك – غفر الله لهم – مَنزِعاً لا وجه للحق فيه – وإن لم يكونوا مُريديه -؛ ذلكم أنهم يسلكون مسلكاً (يظنونه) من (الوسط)؛ يأخذون – فيه – من ها هنا ويأخذون – به - من ها هنا!! فإذا بهم يخرجون بقولٍ رابع ليس هو من الحق الخالص , ولا هو – في نفسه – إلى مقالة هؤلاء ولا إلى مقولة أولئك!!

فهذا – في الحقيقة – سَبَبٌ واصِلٌ لمزيدٍ من الفتنة والبلاء , وطريقٌ تتغير فيه النفوس الصافية وتتكدَّرُ به القلوبُ المطمئنة ...

ورضي الله عمن قال: ((وكم من مُريدٍ للخيرِ لن يُصيبه)) (4)

وقد قيل للإمام الأوزاعي:

إن رجلاً يقول: أنا أجالس أهلَ السنة , وأجالسُ أهل البدع!

فقال الأوزاعيُّ: هذا رجلٌ يُريدُ أن يُساوي بين الحق والباطل))

روى ذلك عنه الإمام ابن بطة في كتاب ((الإبانة)) (2/ 456) ,

ثم عَلَّقَ بقوله: ((صَدَقَ الأوزاعي؛ إنَّ هذا رجلٌ لا يعرف الحقَّ)).

إذْ كيف يجتمع النقيضان؟! وكيف يلتقي الضدان؟!.

فالحقُّ أجَلُّ ما يُطلب , وأعزُّ ما يُحَبُّ , والباطلُ أعظمُ ما يُجتنب وأكبرُ ما عنهُ يُرغب ...

وهو (الوسط) الحقُّ الذي يجب أن يَؤولَ إليه كلُّ نِزاع , ويرجعَ له كلُّ ذي ابتداع ...

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير