تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[اللغة العربية القرآنية ودورها في بعث أمجاد الأمة الإسلامية]

ـ[ذو الفقار أبو عبد الرحمن]ــــــــ[18 - Mar-2008, مساء 02:41]ـ

[اللغة العربية القرآنية ودورها في بعث أمجاد الأمة الإسلامية]

كتبه: أبو عبد الرحمن ذوالفقار بلعويدي.

تعد اللغة - بصفة عامة - ركنا تقام عليه حضارة الإنسان، وعاملا مهما في تقويم الفرد، وتكوين شخصيته، وتشكيل ثقافته، وبناء مجتمعه. وهي الرابط الفكري بين الأمة الواحدة، وأداة التواصل بينها، والشعار الذي يميزها عن غيرها. بل هي الوعاء الذي يحفظ هويتها. وأي تغيير أو تحريف يلحق لغة ما في مضمون ألفاظها ومدلول مصطلحاتها، فهو - لا محالة - إلحاق التغيير في سير الأمة بكاملها، واقتلاع لجذورها، وفسخ هويتها، حيث تتغير التصورات وتقلب المفاهيم وتشوه الحقائق وتتداخل الدلالات فيغيب التواصل. وحينها تفقد اللغة أثرها الفعلي في توحيد الأمة الذي هو أسمى دورها. والأمة التي لا تحسن لغتها تنسلخ ضمنيا عن ثقافتها ومبادئها، وتكون عالة على غيرها وتابعة له.

اللغة العربية ووظيفتها الإسلامية.

اللغة العربية مادة تعبيرية يشملها كل ما يشمل اللغات من خصائص. وتشترك معها في الأهداف. وهي تعتبر لغة رسمية ضمن اللغات الخمس الكبرى في العالم (1). إضافة إلى استحضار أنها لغة أنزل بها القرآن، حيث تجاوز بها الحد إلى الربط بين كل من هو مسلم، بغض النظر عن جنسه وأرضه وقومه وأصل لسانه. وذلك لكونها اللسان الناطق بالإسلام، المعبر عن مدلوله، المترجم لمراده. ومن ثم فمن غير إدراك دلالة اللفظ العربي وفق المعنى الذي وضع له في أصل لغته القرآنية، فإنه يستعصي إدراك معنى الإسلام على حقيقته. وبالتالي فأي تزييف يحصل في مدلول ألفاظ اللغة العربية، فهو تلقائيا تزييف في مفهوم الإسلام، وانحراف في تربية المسلمين. لأن العربية لغة استوعبت كل مطالب الدين الإسلامي، فهي بنزول القرآن باتت لغة دينية، مهمتها إنشاء الشخصية الإسلامية، وتشكيل هويتها عقديا وسلوكيا.

إدراك الغرب الصليبي لدور لغة القرآن.

لقد أسهم عامل التاريخ والخبرة في تمكين الغرب الصليبي - وذلك بعد خوضه سلسلة من الحروب العسكرية التي أنهكت قواه ضد المسلمين - من إدراك دور اللغة العربية القرآنية وما تملكه من سلطان على روح الشعوب الإسلامية، بفضل ما تشتمل عليه من أسلوب بياني عميق، وتعبير مؤثر يهز القلب، ويستنهض المشاعر، ويوقظ الهمم، ويرفع المعنويات. في تناسق بديع متميز يبعث في النفس عزة، تخلصها من الرضى بالمذلة، وتحررها من الخضوع لغير لله. حيث خلص - الغرب الصليبي - إلى أنه يستعصي عليه إحكام قبضته على البلاد الإسلامية وبسط هيمنته الفكرية عليها، من غير الفصل بين المسلمين ولغة هذه طبيعتها. يقول الجينرال " ليوطي": (إن العربية عنصر أسلمة لكونها لغة القرآن، أما مصلحتنا فتفرض علينا أن نجعل البربر يتطورون خارج إطار الإسلام) (2). إلى أن قال: ( .. ومن الوجهة اللسانية علينا أن ننزع إلى المرور مباشرة من البربرية إلى الفرنسية) (3).

فوصف " ليوطي" اللغة العربية بأنها عنصر أسلمة. يدل دلالة قوية على عمق إدراكه لسر قوة اللغة العربية في قالبها الإسلامي. حيث قوتها - في نظره - لا تكمن في مجرد كونها لغة - حروف وكلمات وجمل فحسب -، فهي بهذا الوصف كانت قائمة قبل الإسلام، لكنها لم تصنع ما صنعته لغة القرآن في فكر الإنسان وتوجهه العقدي.

وهذا المستشرق "كامفاير" يقول في شماتة، عندما ألغي الحرف العربي في تركيا: (إن قراءة القرآن العربي وكتب الشريعة الإسلامية قد أصبحت مستحيلة بعد استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية) (4).

هذا كله يساعدنا على إدراك حقيقة المنطلق وسر مبادرة المستعمر الصليبي - بعد استيلائه على البلاد الإسلامية وسيطرته على حدودها - إلى فرض لغة بلاده في البلدان التي استعمرها، لتحل محل العربية - على الخصوص - في المؤسسات التعليمية، والدوائر حكومية كانت أو خاصة. مما حور هذا الاستيلاء تلقائيا من احتلال عسكري إلى غزو فكري. وهذا الأمر هو عين ما عبرت عنه أمريكا بـ:" تجديد الخطاب الديني " وذلك في حربها الأخيرة على البلاد الإسلامية بعد امتلاكها زمام العالم. والغاية منه تغيير مفهوم الإسلام، والتشكيك في التصور الصحيح لمعاني القرآن، وتفريغها من مضمونها الأصيل، وذلك

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير