[مقال للعلامة بوخبزة حول إحكام ابن حزم]
ـ[عبد الرحمان المغربي]ــــــــ[20 - Mar-2008, مساء 07:05]ـ
الرابط الأصلي:
http://www.bokhabza.com/play.php?catsmktba=184
كلمة
عن الإمام ابن حزم وكتابه
(الإحكام لأصول الأحكام)
فائدة من كتاب جراب السائح
الجزء الثاني
للشيخ
أبي أويس محمد بوخبزة الحسني
(فائدة)
بطلب من الأخ النابغ الباحث بدر العمراني الطنجي كتبت هذا التقديم لأطروحته للماجيستير في تخريج أحاديث كتاب (الإحكام لأصول الأحكام) لابن حزم رحمه الله , وهذا نصه بعد الحمدلة:
للإمام الأمة وحده, أبو محمد علي بن حزم القرطبي القدح المعلى في معظم علوم الإسلام, كما شهد له بذلك معاصروه فمن بعدهم, وهو رحمه الله ورضي عنه إذا توغل في موضوع أتى بالمرقص المطرب, من نصاعة البيان, وصحة النظر وإتقان الاستدلال, واستيفاء الأدلة, وما يعتورها من ضعف وخلل, وإذا رد وناقض وناظر, أخذ بمخنق الخصم, وسد عليه المسالك, وأفحمه وألقمه الحجر, ولولا طغيان قلمه, وشدة لهجته, وتناوله الكبار بأسلوب غير لائق, لملأ الدنيا علما وهدى ورشدا, فإن الرجل نسيج وحده, في وفرة معارفه, وتعدد علومه, وإصابة فهومه, إلى إخلاصه في التعلم والتعليم, أوضاعه بذلك شاهدة, وأنظاره في مجالي العلوم رائدة, وسيرته نابضة بالزهد الحي في متاع الدنيا ومباهج الإمارة, وسحر الجاه ونفوذ الكلمة إيثارا لما عند الله تعالى, وانقطاعا لنصرة الحق والدعوة إليه, وجهاد الباطل وقبيله, بلسان أمضى من سيف الحجاج, في ميدان المناظرة والحجاج.
هذا وهو فرد في بلده, تنحاش إليه جماعة قليلة مستضعفة, ويغشاه للدرس والتلقي زمرة متسللة خائفة, تتسلل إليه لواذا تحت جنح الظلام, لاحق الأذى واضطهادُ الفقهاء جماعةً منهم حتى هاجروا بلدهم, وفارقوا أهلهم وعشيرتهم, أما هو فقد ألزموه قريته (مونت ليشم) ببادية (لبلة) , ولم يكتفوا بذلك حتى أحرقوا كتبه علنا, فأرسل إليهم يقول متحديا:
دعونيَّ من إحراق رق وكاغد ... وقولوا بعلم كي يرى الناس من يدري
وإن تحرقوا القرطاس لا تحرقوا الذي ... تضمنه القرطاس بل هو في صدري
وهو في أثناء هذه الزعازع ثابت كالطود الأشم, يصك خصومه صكا, لا يواري ولا يداري, لا يفتأ يدعو إلى المناظرة.
والعجب العجاب أن خصومه ـ والدولة معهم وذو الجاه وأصحاب القرار كما يقال اليوم من ورائهم ودعاويهم في المعرفة والتمكن من المناظرة والفلج فيها ملأت الفضاء ـ ومع هذا كله فقد كانوا وما زالوا مضرب المثل المعروف (نسمع جعجعة ولا نرى طحنا) فهذا أبو الوليد الباجي ([1]) ـ وقد أنصفه أبو محمد فشهد له وهو خصمه اللدود أنه ليس للمالكية مثله ـ ألف كتاب (الفرق) فيما جرى بينهما من مناظرات, وللأسف فقد ضاع الكتاب, وبقيت الدعوى عارية عن الدليل, وبمقارنة آثار الرجلين الباقية, ولا سيما النقل وما إليه, لا يملك القارئ المنصف العارف إلا أن ينشد قول القائل:
سارت مشرقة وسرت مغربا ... شتان بين مشرق ومغرب
وهذا ابن سهل [2] صاحب كتاب (الإعلام بنوازل الأحكام) كتب كتابا بقيت منه أوراق وفصول قليلة وقفنا عليها, فإذا بالرجل ينسلخ من ثوب الوقار والأدب, ويتقمص سرابيل المعايرة والسباب والشتائم النابية التي تترفع عنها بنات الهوى عند كساد وركود ريح الفسق.
وبعد: فالكلام على أبي محمد طويل عريض, فقد ملأ الدنيا وشغل الناس , ويعنينا الآن ما سلم من عوادي الزمان من آثاره النفيسة, وأوضاعه العلمية الفريدة, فقد تجاوز ما عرف منها إلى الآن الخمسين, وفي الله تعالى عزاؤنا فيما حرمنا منه من الوقوف على المعلمة الكبرى كتاب (الإيصال إلى فهم كتاب الخصال) , الذي أودعه أبو محمد ما أنعم الله عليه من تعاجيب روايات الحديث, وجوامع السنن والآثار, في جميع أبواب الشريعة من العقيدة والعبادات, والمعاملات والرقائق, والآداب والأخلاق , فلله ما كان يزخر به هذا العِلْقُ ([3]) النفيس من أسانيد أندلسية عالية, وتعاليق حزمية اجتهادية تتسم بالجدية والاستقلال, تنافر التقليد والابتذال, وفيما بقي بين أيدينا من روائعه كفاية وبلاغ, فهذا (المحلى شرح المجلى) , وهذا كتاب (الفصل في الملل والأهواء والنحل) الذي وضع فيه أسس علم مقارنة الأديان, وهذه رسائله الكثيرة في الفقه والأدب والفلسفة والحب والمنطق, وديوان شعره , ناهيك بما بقي من كتابه الممتع
¥