[التخلف التقني .. من السبب؟]
ـ[محمد جلال القصاص]ــــــــ[07 - Apr-2008, صباحاً 10:43]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
من السبب في تخلفنا التقني؟
الدعوة إلى التقدم التقني وما يتبعه من رقي مادي وحضاري ورفاهية في المعيشة .. الخ هي النقطة التي انطلق منها دعاة التغريب بالأمس، إذْ كان الهدف المُعلن من الاتصال بالغرب عند من اتصل بهم وزيَّن للناس الاتصال بهم هو التقدم كما تقدموا، وغني عن الذكر أننا لم نحصل على شيء مما تكلموا به، وصار حالنا اليوم على هذه الحالة من التخلف المادي والعلمي, مع أننا امتثلنا أمرهم، وسرنا في دربهم واقتفينا آثارهم!!
وبعض الشرعيين ممن يجنح للعقلانية في تناول المسائل الشرعية يتكلم من وقت لآخر عن التقدم التقني وأنه ضرورة، ويظنون أن سبب تخلفنا التقني - وبالتالي الحضاري كما يحلو لبعضهم تسميته - هو وجود النظرة المتشائمة للعلوم التقنية عند الإسلاميين، أو أننا بعد لم نأخذ بالأسباب اللازمة لذلك، ولم نحاول تلك المحاولة الجادة، وعلينا المحاولة من جديد وبذل الأسباب المادية وتيسير الفتاوى الشرعية المؤدية لذلك، فنشجع الموهوبين ونبرز مدى اهتمام الشرع بعلوم الطبيعة وتحريضه على عمارة الأرض.
وهذا الكلام منقوص لا يمكن أن يُقبل وحده بل يحتاج لكلامٍ قبله وكلامٍ بعده، وهذه بعض الملحوظات تزيل الغبش وتجلي الحقائق في هذه القضية التي تتجدد من وقت لآخر:
أولا: من البديهي أن نتاج التقدم التقني في شتى المجالات عبارة عن وسائل تخضع لمن يتعامل بها؛ فهي في ذات نفسها لا توصف لا بحلال ولا بحرام، وإنما على حسب من يستخدمها، فمثلاً الحاسوب (الكومبيوتر) والتلفاز، والأسلحة المتطورة، وفن العمارة، قد يُستخدم في النافع وقد يُستخدم في الضار، وذلك تبعا لمن يستخدمه.
وقد رأينا الكيمائي حين تَفْسُد أخلاقة ينتج المواد المتفجرة، والسموم المخدرة، ورأينا الطبيب حين تفسد أخلاقه يتاجر بالطب ويبتز المريض وقد يتعدى على الحرمات حين التشخيص.
وجملةً: لم تستفد البشرية كثيراً من الرقي المادي الذي جاءها على يد من لا خلاق لهم من العلمانيين، وتحولت المعمورة لساحة من الصراع والاقتتال، والمتاجرة بأرواح الناس وأموالهم، وفسد الجو والبر والبحر بل والطعام والشراب من نتاج الحضارة والرقي، كونها وسائل يتحكم فيها من لا خلاق لهم.
فالقضية الأولى التي لا بد من حسمها أولا هي ضبط الأخلاق .. ضبط القيم قبل التقدم التقني حتى لا يعود علينا شراً ونجني منه حنظلاً, وذلك عند الأفراد الذين يعملون في هذا المجال وعند الأمة التي تستعمل نتاج هذه العقول, والتقدم التقني بلا قيمٍ صحيحةٍ لا يأتي أبداً بخير.
ثانيا: في الشرع ربطٌ واضح جداً بين الإيمان بالله والرقي المادي والحضاري، أو بتعبيرٍ أدق جُعلَ الرقي الحضاري والمادي إحدى ثمار الاستقامة على شرع الله, قال الله {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف: 96].
والمصائب والفساد في البر والبحر كله بسبب البعد عن طاعة الله عز وجل, {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الروم: 41] وقال الله {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى: 3] , فبغير الإيمان بالله تنقلب وسائل التقدم على البشر ولا يستفيدون منها كما هو حاصل اليوم, ولهذا الأمر تنظير عقلي وتاريخي أوضحه في النقطة التالية.
ثالثا: لَمْ يتقدم العلم التقني مع اليونانيين والإغريقيين وتقدم مع العرب البدو الأميين - وهم أجدادي يرحمهم الله - كيف حدث ذلك؟ في جملة واحدة؛ حدث ببركة الامتثال لأمر الله.
¥