تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[تفسير في ظلال القران والازمةالمالية العالمية]

ـ[ابو محمد الغامدي]ــــــــ[31 - Oct-2008, مساء 06:38]ـ

قال صاحب الظلال رحمه الله في تفسيره لقوله نعالى

((يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا. . إن كنتم مؤمنين}. .

لقد ترك لهم ما سلف من الربا - لم يقرر استرداده منهم، ولا مصادرة أموالهم كلها أو جزء منها بسبب أن الربا كان داخلا فيها. . إذ لا تحريم بغير نص. . ولا حكم بغير تشريع. . والتشريع ينفذ وينشئ آثاره بعد صدوره. . فأما الذي سلف فأمره إلى الله لا إلى أحكام القانون. وبذلك تجنب الإسلام إحداث هزة اقتصادية واجتماعية ضخمة لو جعل لتشريعه أثرا رجعيا.

وهو المبدأ الذي أخذ به التشريع الحديث حديثا! ذلك أن التشريع الإسلامي موضوع ليواجه حياة البشر الواقعية، ويسيرها، ويطهرها ويطلقها تنمو وترتفع معا. . وفي الوقت ذاته علق اعتبارهم مؤمنين على قبولهم لهذا التشريع وإنفاذه في حياتهم منذ نزوله وعلمهم به. واستجاش في قلوبهم - مع هذا - شعور التقوى لله. وهو الشعور الذي ينوط به الإسلام تنفيذ شرائعه، ويجعله الضمان الكامن في ذات الأنفس، فوق الضمانات المكفولة بالتشريع ذاته. فيكون له من ضمانات التنفيذ ما ليس للشرائع الوضعية التي لا تستند إلا للرقابة الخارجية! وما أيسر الاحتيال على الرقابة الخارجية، حين لا يقوم من الضمير حارس له من تقوى الله سلطان.

فهذه صفحة الترغيب. . وإلى جوارها صفحة الترهيب. . الترهيب الذي يزلزل القلوب:

{فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}.

(1/ 312)

يا للهول! حرب من الله ورسوله. . حرب تواجهها النفس البشرية. . حرب رهيبة معروفة المصير، مقررة العاقبة. .

ولقد أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عامله على مكة بعد نزول هذه الآيات التي نزلت متأخرة أن يحارب آل المغيرة هناك إذا لم يكفوا عن التعامل الربوي. وقد أمر - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يوم فتح مكة بوضع كل ربا في الجاهلية - وأوله ربا عمه العباس - عن كاهل المدينين الذي ظلوا يحملونه إلى ما بعد الإسلام بفترة طويلة، حتى نضج المجتمع المسلم، واستقرت قواعده، وحان أن ينتقل نظامه الاقتصادي كله من قاعدة الربا الوبيئة. وقال - صلى الله عليه وسلم - في هذه الخطبة:

«وكل ربا في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين. وأول ربا أضع ربا العباس. .» ولم يأمرهم برد الزيادات التي سبق لهم أخذها في حالة الجاهلية.

فالإمام مكلف - حين يقوم المجتمع الإسلامي - أن يحارب الذين يصرون على قاعدة النظام الربوي، ويعتون عن أمر الله، ولو أعلنوا أنهم مسلمون. كما حارب أبو بكر - رضي الله عنه - مانعي الزكاة، مع شهادتهم أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقامتهم للصلاة. فليس مسلما من يأبى طاعة شريعة الله، ولا ينفذها في واقع الحياة!

على أن الإيذان بالحرب من الله ورسوله أعم من القتال بالسيف والمدفع من الإمام. فهذه الحرب معلنة - كما قال أصدق القائلين - على كل مجتمع يجعل الربا قاعدة نظامه الاقتصادي والاجتماعي. هذه الحرب معلنة في صورتها الشاملة الداهمة الغامرة. وهي حرب على الأعصاب والقلوب. وحرب على البركة والرخاء. وحرب على السعادة والطمأنينة. . حرب يسلط الله فيها بعض العصاة لنظامه ومنهجه على بعض. حرب المطاردة والمشاكسة. حرب الغبن والظلم. حرب القلق والخوف. .

وأخيرا حرب السلاح بين الأمم والجيوش والدول. الحرب الساحقة الماحقة التي تقوم وتنشأ من جراء النظام الربوي المقيت. فالمرابون أصحاب رؤوس الأموال العالمية هم الذين يوقدون هذه الحروب مباشرة أو عن طريق غير مباشر. وهم يلقون شباكهم فتقع فيها الشركات والصناعات. ثم تقع فيها الشعوب والحكومات. ثم يتزاحمون على الفرائس فتقوم الحرب! أو يزحفون وراء أموالهم بقوة حكوماتهم وجيوشها فتقوم الحرب! أو يثقل عبء الضرائب والتكاليف لسداد فوائد ديونهم، فيعم الفقر والسخط بين الكادحين والمنتجين، فيفتحون قلوبهم للدعوات الهدامة فتقوم الحرب! وأيسر ما يقع - إن لم يقع هذا كله - هو خراب النفوس، وانهيار الأخلاق، وانطلاق سعار الشهوات، وتحطم الكيان البشري من أساسه، وتدميره بما لا تبلغه أفظع الحروب الذرية الرعيبة!

إنها الحرب المشبوبة دائما.

(1/ 313)

وقد أعلنها الله على المتعاملين بالربا. . وهي مسعرة الآن؛ تأكل الأخضر واليابس في حياة البشرية الضالة؛ وهي غافلة تحسب أنها تكسب وتتقدم كلما رأت تلال الإنتاج المادي الذي تخرجه المصانع. . وكانت هذه التلال حرية بأن تسعد البشر لو أنها نشأت من منبت زكي طاهر؛ ولكنها - وهي تخرج من منبع الربا الملوث - لا تمثل سوى ركام يخنق أنفاس البشرية، ويسحقها سحقا؛ في حين تجلس فوقه شرذمة المرابين العالميين، لا تحس آلام البشرية المسحوقة تحت هذا الركام الملعون!

لقد دعا الإسلام الجماعة المسلمة الأولى، ولا يزال يدعو البشرية كلها إلى المشرع الطاهر النظيف، وإلى التوبة من الإثم والخطيئة والمنهج الوبيء:

{وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم. لا تظلمون ولا تظلمون}. .

فهي التوبة عن خطيئة. إنها خطيئة الجاهلية. الجاهلية التي لا تتعلق بزمان دون زمان، ولا نظام دون نظام. . إنما هي الانحراف عن شريعة الله ومنهجه متى كان وحيث كان. . خطيئة تنشئ آثارها في مشاعر الأفراد وفي أخلاقهم وفي تصورهم للحياة. وتنشئ آثارها في حياة الجماعة وارتباطاتها العامة. وتنشئ آثارها في الحياة البشرية كلها، وفي نموها الاقتصادي ذاته. ولو حسب المخدوعون بدعاية المرابين، إنها وحدها الأساس الصالح للنمو الاقتصادي!

واسترداد رأس المال مجردا، عدالة لا يظلم فيها دائن ولا مدين. . فأما تنمية المال فلها وسائلها الأخرى البريئة النظيفة. لها وسيلة الجهد الفردي. ووسيلة المشاركة على طريقة المضاربة وهي إعطاء المال لمن يعمل فيه، ومقاسمته الربح والخسارة ووسائل أخرى كثيرة ليس هنا مجال تفصيلها. . وهي ممكنة وميسرة حين تؤمن القلوب، وتصح النيات على ورود المورد النظيف الطاهر، وتجنب المورد العفن النتن الآسن!))

منقول بتصرف يسير

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير