تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

<<  <   >  >>

[نصيحة من الإمام الشوكاني رحمه الله إلى طلبة العلم الشرعي.]

ـ[الإمام الدهلوي]ــــــــ[04 - Nov-2008, صباحاً 01:21]ـ

يقول العلامة الشوكاني رحمه الله: (فاعلم إذا وقع الخلاف بين المسلمين في أن هذا الشيء بدعة أو غير بدعة، أو مكروه أو غير مكروه، أو محرم أو غير محرم، أو غير ذلك، فقد اتفق المسلمون سلفهم وخلفهم من عصر الصحابة إلى عصرنا هذا – وهو القرن الثالث عشر منذ البعثة المحمدية – أن الواجب عند الإختلاف في أي أمر من أمور الدين بين الأئمة المجتهدين هو الرد إلى كتاب الله سبحانه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الناطق بذلك الكتاب العزيز ... وهذ مما لا خلاف فيه بين جميع المسلمين.

فإذا قال مجتهد من المجتهدين: هذا حلال، وقال الأخر: هذا حرام، فليس أحدهما أولى بالحق من الآخر، وإن كان أكثر منه علماً، أو أكبر منه سناً، أو أقدم منه عصراً، لأن كل منهما فرد من أفراد عباد الله، ومتعبداً بما في الشريعة المطهرة، وفي كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومطلوب منه ما طلب الله من غيره من العباد.

وكثرة علمه وبلوغه درجة الإجتهاد أو مجاوزته لها لا يسقط عنه شيئاً من الشرائع التي شرعها الله لعباده ولا يخرجه من جملة المكلفين من العباد، بل العالم كلما ازداد علماً كان تكليفه زائداً عن تكليف غيره، ولو لم يكن من ذلك إلا ما أوجبه الله عليه من البيان للناس، وكما كلفه به من الصدع بالحق وإيضاح ما شرعه الله لعباده.

(وَإِذَ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَينَنَّه ِللنَّاسِ وَلا َتكْتُمُونَه).

(ِإنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُوْنَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَينَاتِ وَالهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَاهُ لِلنَّاسِ في الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ الله وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونْ).

فلو لم يكن لمن رزقه الله طرفاً من العلم إلا كونه مكلفاً بالبيان للناس لكان كافياً فيما ذكرناه من كون العلماء لا يخرجون عن دائرة التكليف بل يزيدون بما علموه تكليفاً، وإذا أذنبوا كان ذنبهم أشد من ذنب الجاهل وأكثر عقاباً، كما حكاه الله سبحانه عمن عمل سوءاً بجهالة ومن عمله بعلم، وكما حكاه في كثير من الآيات عن علماء اليهود، حيث أقدموا على مخالفة ما شرعه الله لهم، مع كونهم يعلمون الكتاب ويدرسونه، ونعى ذلك عليهم في مواضع متعددة من كتابه وبكتهم أشد تبكيت.

وكما ورد في الحديث الصحيح: (إن أول من تسعر بهم جهنم: العالم الذي يأمر الناس ولا يأتمر، وينهاهم ولا ينتهي).

وبالجملة فهذا أمر معلوم: إن العلم وكثرته، وبلوغ حامله إلى أعلى درجات العرفان لا يسقط عنه شيئاً من التكاليف الشرعية، بل يزيدها عليه شدة، ويخاطب بأمور لا يخاطب بها الجاهل، ويكلف بتكاليف غير تكاليف الجاهل، ويكون ذنبه أشد وعقوبته أعظم، وهذا لا ينكره أحد ممن له أدنى تمييز بعلم الشريعة.

والآيات والأحاديث الواردة في هذا المعنى لو جمعت لكانت مؤلفاً مستقلاً ومصنفاً حافلاً .. وغاية العرض من هذا ونهاية القصد هو بيان أن العالم كالجاهل في التكاليف الشرعية والتعبد بما في الكتاب والسنة مع ذكر ما أوضحناه لك من التفاوت بين المرتبتين: رتبة العالم، ورتبة الجاهل، في كثيرمن التكاليف واختصاص العالم منها بما لا يجب على الجاهل.

وبهذا يتقرر لك أن ليس لأحد من العلماء المختلفين، أو من التابعين لهم والمقتدين بهم أن يقول: الحق ما قاله فلان دون فلان، أو فلان أولى بالحق من فلان، بل الواجب عليه – إن كان ممن له فهم وعلم وتمييز – أن يرد ما اختلفوا فيه إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فمن كان دليل الكتاب والسنة معه فهو الحق وهو الأولى بالحق.

ومن كان دليل الكتاب والسنة عليه لا له، كان هو المخطئ، ولا ذنب عليه في هذا الخطأ إن كان قد وفّى الإجتهاد حقه، بل معذور، بل هو مأجور، كما ثبت في الحديث الصحيح أن: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر) فناهيك بخطأ يؤجر عليه فاعله.

¥

<<  <   >  >>
تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير