للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفخار؛ فإنه لولاهم لَمَا رأينا هذه الْحَركة النشيطة، فقد رفعوا ثانيا أكثر من معاصريهم راية المعارف، فساقوا إليها بروح التنافس، وبسائق حفزهم إليها (١)، ولولاهم لكنا نرى من انطفاء المعارف بسوس في أواسط الثالث عشر ما نراه في أواسط الرابع عشر، ولكن الله رحيم، فانتشر بِهؤلاء ما انتشر، حتى تَجاوزت أمواج علومهم التي يبثونَها الأطلس إلى قبائل الحوز، فتأسست من (١٢٤٢هـ) مدارس: مزوضة وأبي السباع، وكدميوة، ومسفيوة، والرحامنة، وكل قبائل الحوز وما إليها، فلو كانت الجهود التيمكيدشتيَّة تَجمع كل الفنون التي كانت يعتني بِها قبلها، ثُم بثتها بِهذه الْهِمَّة؛ لكنا نرى حلقتي الثالث عشر وما بعده متصلتين بِحلقات الثاني عشر وما قبله إلى التاسع.

الْخُلاصة:

إن النهضة العلمية التي طلعت مع التاسع لَم تزل في العاشر، فالْحَادي عشر، فالثاني عشر، ثُمَّ اعتراها ما اعتراها بعد صدر الثالث عشر، ثم طلعت نَهضة أخرى دونَها، ولكنها أيضا لَها قوة ونشاط وانتشار في القبائل، وإن كانت دون قوة ونشاط سابقتها فتموجت أمواجها، وتدافعت بكل ما أوتيته من قوة، إلى أن مضى صدر هذا القرن الذي أدركنا عقبه، فأدركنا ذيولا من تلك النهضة، ثُم طويت الصحف وجفت الأقلام، إلا بعض إثارات منبثة هنا وهناك (٢).

ذلك ما انتهت إليه دراستنا للموضوع، ولعلنا صادفنا في هذه الدراسة النتيجة التي جعلناها خلاصة لكل ما ذكرناه عن تلك النهضة العلمية الباهرة.


(١) أم هذه المدارس كلها مدرسة مزوضة، وقد بلغ عددها من خمسين، والأصل الأصيل تيمجدشت.
(٢) ذلك ما كان سنة: ١٣٥٧هـ ولكننا نرى في سنة: ١٣٧٧هـ انبعاثًا جديدًا من سوس يتجلى فيما تجدد الآن في معهد "نارودانت" وفروعه كتنزنيت وغيرها، فقد قامت الوزارة المشكورة بمد يدها إلى جمعية علماء سوس، فإذا بألف وسبعمائة من الطلبة السوسيين في المعهد الذي تجاوز مع السنوات الأولى إلى الثانوي، واستطاع ذوو الهمم السوسية من الأهالي، بما نفخه فيهم مولانا محمد الخامس، أن يفتحوا جيوبهم، فإذا بهؤلاء الطلبة، كأنهم داخليون يأكلون الوجبات الثلاث، ويتمتعون بالأوطية والأغطية، تحت نظر الجمعية التي قامت قيامًا مغبوطًا كل شؤون الطلبة، مع تربية إسلامية واقعية تماشي العصر، فأعلنت سوس بذلك أن سلسلتها العلمية لا تزال إلى الأمام، وأن الأحفاد تأثروا خطأ الأجداد، فلتحيى سوس العالمة، وليحيى المغرب كله، وليحيى عرشه الذي ردت به الحياة إلى كل النفوس، ولتحي المعاهد الدينية كلها متأثره خطأ أمها القرويين الخالدة.

<<  <   >  >>