للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[طور انتعاش الأدب السوسي ١١٨٩هـ - ١٢٦٩ هـ]

رأى معنا من يتتبع خطوات بحثنا المتقدم الأخير، أن ما ذكرناه من الطور الثاني من الفتور لا يستلزم انْمِحاء الأدب كل الانْمِحَاء في الأفكار السوسية، ومن بين تعاليمهم، فإن الاعتناء باللغة العربية لا يزال من موضوعات دراستهم العامة، وإن الرحلة إلى خارج سوس لا تزال مطردة في بعثاتِهم، ومن هذا يُدرك أن من بين ذلك الاعتناء باللغة، في كل ما يؤخذ من كليات المغرب الكبرى، بل ومن كلية مصر أيضا، انبعاث بعض بروق كنا نتراءاها تومض طَوال ذلك الطور الثاني. والبرق إن لَم يكن خلَّبا يتبعه انْهِمَار الغيث، ثم انتعاش الأرض، وهذا هو عين الواقع؛ فإن المدرسة الحضَيْجيَّة التي كنا حكمنا عليها قبل بأنَّها لا تُعير لفتة خاصة إلى الأدب، وإن كانت تدرس من اللغة العربية مادة له كبرى، وكان لعميدها الحضيجي تَمكن كبير في اللغة مذكور (١)، وهي بعينها التي رأينا من بين خريجيها ثلة قليلة أبقت آثارا وأخبارا تدل على أنَّها تقدر هذا الفن قدره؛ فكان العجب أن رأينا من أتباع الحضيجي ما رأينا، على حين أن آخرين كانوا يومضون في جواء الأدب من معاصريه؛ كالجرسيفي، والأزَاريفي، وغيرهم ممن ذكروا في الطور الثاني. لَم نر لَهم أتباعا يظهر منهم الميل إلى هذه الوجهة، فكانت إحدى عجائب المدرسة الحضيجية، فإنَّها غير أدبية، مع أنَّها خرجت أدباء؛ كأحمد الهَوْزيوي (٢)، و (التَّازمورتي)، وابن زَكري، وإبراهيم الحاحي، ومُحمد بن عمر (الأسفَاركيسي) كما أنَّها غير طبية مع أنّها خرجت مثل أبي العباس ابن الحضيجي حافظ الكتب الطبية العليا، فكذلك كتب لتلك المدرسة بطيب سريرة مؤسسها أن تؤدي خدما جليلة عظيمة في نواح شتى في المعارف.

كنا افتتحنا هذا الطور الثالث: طور الانتعاش بسنة ١١٨٩هـ، وهي سنة وفاة الأستاذ الحضيجي كرمز إلى أن هذا الفن الذي كان له ظهور كبير بعده، قد تم بسببه بغير مباشرة، فكان يتولى كِبْر مُحاولة إنعاشه شخصيات ممن أخذوا عنه، فرأينا منهم النَّفاق الأدبي، ورواجا غير


(١) يوجد ما يدل على ذلك في ترجمته الواسعة، ومن فهارسه وإجازاته "وهو مذكور بين آلة الحضيكيين في (الفصل الثاني من القسم الرابع) من (المعسول).
(٢) هو غير محمد بن أحمد الهوزيوي صاحب الديوان المتخرج من تامكروت وقد عاش إلى ما بعد ١٢٠٢هـ، وتوفي أحمد بلدينه في ١٢١٤هـ.

<<  <   >  >>